لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٢٧
اللطائف :«فلمّا أعاد اللّه - سبحانه وتعالى - هذه الآية - أعنى بسم اللّه الرّحمن الرّحيم - فى كل سورة، وثبت أنها منها أردنا أن نذكر فى كل سورة من إشارات هذه الآية كلمات غير مكررة وإشارات غير معادة».
ثالثا : أن لدى القشيري قدرة غير عادية ونفسا طويلا عند استبطان الظاهر، لأننا نجده أمام أربع كلمات تتكرر بلفظها ومعناها من بداية القرآن إلى نهايته، فإذا أضفنا إلى ذلك أنه سار على هذه السّنّة فى «التيسير» ازداد إعجابنا به وعجبنا له.
ومن الخير أن نضرب هنا مثلين لما صنع فى بسملة «اللطائف» لنستوضح مقاصده من هذا الاتجاه.
يقول فى بسملة سورة «الحجر» :«سقطت ألف الوصل من كتابة بسم اللّه وليس لإسقاطها علة، وزيد فى شكل الباء من بسم اللّه وليس لزيادتها علة، ليعلم أنّ الإثبات والإسقاط بلا علة فلا يقبل من قبل لاستحقاق علة، ولا ردّ من ردّ لاستيجاب (لاستحقاق) علة. فإن قيل العلة فى إسقاط الألف من بسم اللّه كثرة الاستعمال فى كتابتها أشكل بأن الباء فى بسم اللّه زيد فى كتابتها وكثرة الاستعمال موجودة. فإن قيل العلة في زيادة شكل الباء بركة أفضالها بسم اللّه أشكل بحذف ألف الوصل لأن الاتصال فيها موجود.
فلم يبق إلا أن الإثبات والنفي ليس لهما علة يرفع من يشاء ويمنع من يشاء».
ويتضح من هذا أن استنباط الإشارة ليس - كما قلنا من قبل - مسألة عشوائية إنما هو خاضع لقواعد وأصول، وإلى تفنيد لمختلف الآراء، ومحاولة للإقناع.
و ليس هذا فقط.. بل إنك لو تعمقت داخل السورة لأدهشك - كما أدهشنى - أن هناك صلة وثيقة محكمة بين هذا الذي فسرت به البسملة وبين كلام فى داخل السورة عن رفع الخلق بلا علة، وخفضهم بلا علة، وذلك كما ورد فى قصة خلق آدم، وكيف أن الملائكة (كانوا فى حال سترهم لأنهم نظروا إلى القوالب مع أن الاعتبار بالمعاني التي يودعها، فالملائكة استصغروا قدر آدم وحاله وتعجبوا من الأمر لهم بالسجود فكشف لهم شظيّة مما اختصه فسجدوا للأمر وكذا حال من ادّعى الخيرية) أما إبليس فلم يفطن للمشيئة الإلهية