لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٣١٢
و يقال يا من أنست «١» بنسيم قربى، واستروحت إلى شهود وجهى، واعتززت بجلال قدرى - فأنت أجلّ عبادى عندى.
قوله :«اتَّقُوا رَبَّكُمُ» : التقوى جماع الطاعات، وأوله ترك الشّرك وآخره اتقاء كل غير، وأول الأغيار لك نفسك، ومن اتّقى نفسه وقف مع اللّه بلا مقام ولا شهود حال، و(وقف) للّه... لا لشهود حظّ فى الدنيا والعقبى.
قوله :«الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ» : وهو آدم عليه السّلام، وإذا كنا مخلوقين منه وهو مخلوق باليد فنحن أيضا كذلك، لمّا ظهرت مزية آدم عليه السّلام به على جميع المخلوقين والمخلوقات فكذلك وصفنا، قال تعالى :«أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ».
ولفظ «النفس» للعموم والعموم يوجب الاستغراق.
قوله :«وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها» : حكم الحقّ - سبحانه - بمساكنة الخلق مع الخلق لبقاء النسل، ولردّ المثل إلى المثل فربط الشكل بالشكل.
قوله :«وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً» : تعرّف إلى العقلاء على كمال القدرة بما ألاح من براهين الربوبية ودلالات الحكمة حيث خلق جميع هذا الخلق من نسل شخص واحد، على اختلاف هيئتهم، وتفاوت صورهم، وتباين أخلاقهم، وإن اثنين منهم لا يتشابهان، فلكل وجه فى الصورة والخلق، والهمة والحالة، فسبحان من لا حدّ لمقدوراته ولا غاية لمعلوماته.
ثم قال :«وَاتَّقُوا اللَّهَ» تكرير الأمر بالتقوى يدلّ على تأكيد حكمه.
و قوله :«تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ» : أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها، فمن قطع الرحم قطع، ومن وصلها وصل.
«إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» : مطلعا شهيدا، يعد عليك أنفاسك، ويرى حواسك، وهو متوّل خطراتك، ومنشىء حركاتك وسكناتك. ومن علم أنه رقيب عليه فبالحرى أن يستحيى منه.

_
(١) لاحظ كيف يربط القشيري بين الناس (و الأنس) بعد أن ربطها (بالإنس) فمدار الكلام كله على لفظة (الناس) التي وردت فى الآية الكريمة.


الصفحة التالية
Icon