لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٠٢
هاهنا نعمة الدّين، وإتمامها وفاء المآل، واقتران الغفران وحصوله. فإكمال الدين تحقيق المعرفة، وإتمام النعمة تحصيل المغفرة. وهذا خطاب لجماعة المسلمين، ولا شك فى مغفرة جميع المؤمنين، وإنما الشك يعترى فى الآحاد والأفراد هل يبقى على الإيمان؟
قوله جل ذكره : وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.
وذلك لما قسم للخلق أديانهم فخصّ قوما باليهودية، وقوما بالنصرانية، إلى غير ذلك من النّحل والملل، وأفرد المسلمين بالتوحيد والغفران.
وقدّم قوم الإكمال على الإتمام، فقالوا : الإتمام يقبل الزيادة، فلذلك وصف به النعمة لقبول النّعم للزيادة، ولا رتبة بعد الكمال فلذلك وصف به الدين.
ويقال لا فرق بين الدّين والنعمة المذكورة هاهنا، وإنما ذكر بلفظين على جهة التأكيد، ثم أضافه إلى نفسه فقال :«نِعْمَتِي» وإلى العبد فقال :«دِينِكُمْ». فوجه إضافته إلى العبد من حيث الاكتساب، ووجه إضافته إلى نفسه من حيث الخلق. فالدين من اللّه عطاء، ومن العبد عناء «١»، وحقيقة الإسلام الإخلاص والانقياد والخضوع لجريان الحكم بلا نزاع فى السّرّ.
قوله جل ذكره : فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الإشارة من هذه الآية أنه لو وقع لسالك فترة، أو لمريد فى السلوك وقفة، ثم تنبّه لعظيم واقعه فبادر إلى جميع الرّجعة باستشعار التحسّر على ما جرى تداركته الرحمة، ونظر اللّه - سبحانه - إليه بقبول الرجعة.
و الإشارة من قوله «غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ» أي غير معرّج على الفترة، ولا مستديم لعقدة الإصرار، ويحتمل أن يكون معناه من نزل عن مطالبات الحقائق إلى رخص العلم لضعف وجده فى الحال فربما تجرى معه مساهلة إذا لم يفسخ عقد الإرادة.

_
(١) هذه العبارة تساوى فى المعنى ما سبق ذكره ان «الدين موهوب ومطلوب» والمقصود بالعناء أن الدين معاناة وممارسة من جانب العبد.


الصفحة التالية
Icon