لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٠٧
و لا لهم عين ولا أثر، ولا وقع عليهم بصيرة، وقد (سماهم) «١» بالإيمان، وحكم لهم بالغفران قبل حصول العصيان، ثم لما أظهرهم وأحياهم عرّفهم التوحيد قبل أن كلّفهم الحدود، وعرض عليهم بعد ذلك الأمانة وحذّرهم الخيانة، فقابلوا قوله بالتصديق، ووعدوا من أنفسهم الوفاء بشرط التحقيق، فأمدّهم بحسن التوفيق، وثبّتهم على الطريق، ثم شكرهم حيث أخبر عنهم بقوله جل ذكره :«إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا».
ثم قال :«وَاتَّقُوا اللَّهَ» : يعنى فى نقض ما أبرمتم من العقود، والرجوع عمّا قدمتم من العهود، «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» لا يخفى عليه من خطرات قلوبكم ونيات صدوركم.
قوله جل ذكره :
[سورة المائدة (٥) : آية ٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨)
لا يعوّقنّكم حصول نصيب لكم فى شىء عن الوفاء لنا، والقيام بما يتوجّب عليكم من حقنا.
ويقال من لم يقسط عند مواعد رغائبه، ولم يمح عنه نواجم شهواته ومطالبه لم يقم للّه بحق ولم يف لواجباته بشرط.
قوله جل ذكره : وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
أي لا تحملكم ضغائن صدوركم على الحلول بجنبات الحيف فإنّ مرتع الظلم وبي ء، ومواضع الزيغ مهلكة.
ثم صرّح بالأمر بالعدل فقال :«اعْدِلُوا» ولا تكون حقيقة العدل إلا (بالعدول) «٢» عن كل حظ ونصيب.
(١) نرجح أنها فى الأصل (وسمهم) فالوسم فى الاصطلاح تتعلق بالأزل وهذا يتفق مع السياق.
(٢) وردت (بالعدوان) والصواب أن تكون (بالعدول) كما هو واضح.