لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤١١
قوله جل ذكره : وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ.
وتحريفهم الكلم عن مواضعه نوع عصيان منهم، وإنما حرّفوا لقساوة قلوبهم. وقسوة القلب عقوبة لهم من قبل اللّه تعالى على ما نقضوه من العهود، ونقض العهد أعظم وزر يلم به العبد، والعقوبة عليه أشد عقوبة يعاقب بها العبد، وقسوة القلب عدم التوجع مما يمتحن به من الصدّ، وعن قريب يمتحن بمحنة الرد بعد الصدّ «١»، وذلك غاية الفراق، ونهاية البعد.
ويقال قسوة القلب أولها فقد الصفوة ثم استيلاء الشهوة ثم جريان الهفوة ثم استحكام القسوة، فإن لم يتفق إقلاع عن هذه الجملة فهو تمام الشقوة.
ومن تحريف الكلم - على بيان الإشارة - حمل الكلم على وجوه من التأويل مما تسوّل لصاحبه نفسه، ولا تشهد له دلائل العلم ولا أصله «٢».
قوله جل ذكره : وَ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ.
أوّل آفاتهم نسيانهم، وما عصوا ربهم إلا بعد ما نسوا، فالنسيان أول العصيان، والنسيان حاصل من الخذلان.
قوله جل ذكره : وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ.
الخيانة أمرها شديد وهى من الكبار أبعد، وعليهم أشد وأصعب. ومن تعوّد اتباع الشهوات، وأشرب فى قلبه حبّ الخيانة فلا يزال يعيش بذلك الخلق إلى آخر عمره، اللهم إلا أن يجود الحقّ - سبحانه - عليه بجميل اللطف.
قوله جل ذكره : فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
قد يكون موجب العفو حقارة قدر المعفو عنه إذ ليس كل أحد أهلا للعقاب. وللصفح

_
(١) من هذا نفهم أن (الرد) عند القشيري أقرب وأشد وقعا من (الصد).
(٢) هذا أصل من أصول التأويل المقبول فى نظر القشيري، وهو في الوقت نفسه يوضح صفة في التفسير الإشارى.


الصفحة التالية
Icon