لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤١٥
يقال فى : كل زمان تقع فترة فى سبيل اللّه ثم تتجدد الحال، ويعمّ الطريق بإبداء السالكين من كتم العدم، ولقد كان زمان الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - أكثر الأزمنة بركة، فأحيا بظهوره ما اندرس من السبيل، وأضاء بنوره ما انطمس من الدليل، وبذلك منّ عليهم، وذكّرهم عظيم نعمته فيهم.
قوله جل ذكره :
[سورة المائدة (٥) : آية ٢٠]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠)
كان الأمر لبنى إسرائيل - على لسان نبيّهم - بأن يتذكروا نعمة اللّه عليهم، وكان الأمر لهذه الأمة «١» - بخطاب اللّه لا على لسان مخلوق - بأن يذكروه فقال :«فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» «٢» وشتان بين من أمره بذكره - سبحانه - وبين من أمره بذكر نعمته! ثم جعل جزاءهم ثوابه الذي هو فضله، وجعل جزاء هذه الأمة خطابه الذي هو قوله تعالى :
«فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ».
قوله جل ذكره : وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً.
الملك من المخلوقين من عبد الملك الحقيقي.
ويقال الملك من ملك هواه، والعبد من هو فى رقّ شهواته.
ويقال «جَعَلَكُمْ مُلُوكاً» : لم يخرجكم إلى أمثالكم، ولم يحجبكم عن نفسه بأشغالكم، وسهّل إليه سبيلكم فى عموم أحوالكم.
قوله جل ذكره : وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ.
لئن آتى بنى إسرائيل بمقتضى جوده فقد أغنى عن الإيتاء هذه الأمة فاستقلوا بوجوده، والاستقلال بوجوده أتمّ من الاستغناء بمقتضى جوده.
(١) يقصد أمة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم.
(٢) آية ١٥٢ سورة البقرة.