لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٢٧
يعنى أتبعناهم بعيسى ابن مريم، وخصصناه بالإنجيل، وفى الإنجيل تصديق لما تقدّمه، وتحقيق لما أوجب اللّه وألزمه، فلا الدّين قضوا حقه، ولا الإنجيل عرفوا فرضه، ولا الرسول حفظوا أمره ففسقوا وضلوا، وظلموا وزلّوا.
قوله جل ذكره :
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٧]
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧)
قال اللّه تعالى فى هذه السورة «١» :«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ».
وقال فى موضع آخر «... فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» وقال فى هذه الآية «... فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» أمّا فى الأول فقال :«وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا... فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» لأن من لم يحكم بما أنزل اللّه فهو جاحد والجاحد كافر.
و فى الثاني قال :«وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ... فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» لأن من جاوز حدّ القصاص واعتبار المماثلة، وتعدى على خصمه فهو ظالم لأنه ظلم بعضهم على بعض.
وأمّا هاهنا فقال :«وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ... فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» أراد به معصية دون الكفر والجحد «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٨]
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)
.

_
(١) وردت فى هذه (الآية) والصواب أن تكون (السورة) لأن القشيري ألقى نظرة شاملة على آية واحدة ذات نهايات شتى فى السورة كلها.
(٢) وهذه هى المنزلة بين الكفر والإيمان - كما يسميها بعض علماء الكلام.


الصفحة التالية
Icon