لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٤
قوله جل ذكره :
[سورة الفاتحة (١) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
الباء فى «بسم اللّه» حرف التضمين أي باللّه ظهرت الحادثات، وبه وجدت المخلوقات، فما من حادث مخلوق، وحاصل منسوق، من عين وأثر وغبر، وغير من حجر ومدر، ونجم وشجر، ورسم وطلل، وحكم وعلل - إلا بالحق وجوده، والحق ملكه، ومن الحق بدؤه، وإلى الحق عوده، فبه وجد من وحّد، وبه جحد من ألحد «١»، وبه عرف من اعترف، وبه تخلّف من اقترف.
وقال «بسم اللّه» ولم يقل باللّه على وجه التبرك بذكر اسمه عند قوم، وللفرق بين هذا وبين القسم عند الآخرين، ولأن الاسم هو المسمى عند العلماء، ولاستصفاء القلوب من العلائق ولاستخلاص الأسرار عن العوائق عند أهل العرفان، ليكون ورود قوله «اللّه» على قلب منقّى وسر مصفّى. وقوم عند ذكر هذه الآية يتذكرون من الباء (بره) «٢» بأوليائه ومن السين سره مع أصفيائه ومن الميم منته على أهل ولايته، فيعلمون أنهم ببره عرفوا سرّه، وبمنته عليهم حفظوا أمره، وبه سبحانه وتعالى عرفوا قدره. وقوم عند سماع بسم اللّه تذكروا بالباء براءة اللّه سبحانه وتعالى من كل سوء، وبالسين «٣» سلامته سبحانه عن كل عيب، وبالميم مجده سبحانه بعز وصفه، وآخرون يذكرون عند الباء بهاءه، وعند السين سناءه، وعند الميم ملكه، فلما أعاد اللّه سبحانه وتعالى هذه الآية أعنى بسم اللّه الرحمن الرحيم فى كل سورة وثبت أنها منها أردنا أن نذكر فى كل سورة من إشارات هذه الآية «٤» كلمات غير مكررة «٥»، وإشارات غير معادة، فلذلك نستقصى القول هاهنا وبه الثقة.
(١) وردت فى ص (اللحد).
(٢) سقطت فى ص وأثبتناها لأن ما بعدها يدل عليها. [.....]
(٣) وردت فى ص (بالسنين).
٤) من هنا ندرك أن القشيري يعتبر البسملة قرآنا خلافا لمن يعدونها من قبيل الاستفتاح والتبرك، فتبدأ بها القراءة كما يفعل فى سائر الأفعال (أنظر المغني للقاضى عبد الجبار ج ١١ ط وزارة الثقافة سلسلة تراثنا ص ١٦١).
(٥) من هنا ومما نعلم من مذهب القشيري نراه لا يعتقد فى فكرة التكرار فى القرآن لأن التكرار أليق بالمخلوقين ولأسباب أخرى لا محل لها هنا.