لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٥
قوله جل ذكره :
[سورة الفاتحة (١) : آية ٢]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)
حقيقة الحمد الثناء على المحمود، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة، واللام هاهنا للجنس، ومقتضاها الاستغراق فجميع المحامد للّه سبحانه إمّا وصفا وإمّا خلقا، فله الحمد لظهور سلطانه، وله الشكر لوفور إحسانه. والحمد للّه لاستحقاقه لجلاله وجماله، والشكر للّه لجزيل نواله وعزيز أفضاله، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحوله، وحمد الخلق له على إنعامه وطوله، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو، واستيجابه لنعوت العز والسمو، فله الوجود (قدرة) «١» القديم، وله الجود الكريم، وله الثبوت الأحدى، والكون الصمدى، والبقاء الأزلى، والبهاء الأبدى، والثناء الديمومى، وله السمع والبصر، والقضاء والقدر، والكلام والقول، والعزة والطول، والرحمة والجود، والعين والوجه والجمال، والقدرة والجلال، وهو الواحد المتعال، كبرياؤه رداؤه، وعلاؤه سناؤه، ومجده عزه، وكونه ذاته، وأزله أبده، وقدمه سرمده، وحقه يقينه، وثبوته عينه، ودوامه بقاؤه، وقدره قضاؤه، وجلاله جماله، ونهيه أمره، وغضبه رحمته، وإرادته مشيئته، وهو الملك بجبروته، والأحد فى ملكوته. تبارك اللّه سبحانه!! فسبحانه ما أعظم شأنه! [فصل ] علم الحق سبحانه وتعالى شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه، وعجزهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه وسنائه فأخبرهم أنه حمد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله :«الحمد للّه» فانتعشوا بعد الذّلة، وعاشوا بعد الخمود، واستقلت أسرارهم بكمال التعزز حيث سمعوا ثناء الحق عن الحق بخطاب الحق، فنطقوا ببيان الرمز على قضية الأشكال. وقالوا :
و لوجهها من وجهها قمر ولعينها من عينها كحل
هذا خطيب الأولين والآخرين، سيد الفصحاء، وإمام البلغاء، لمّا سمع حمده لنفسه، ومدحه سبحانه لحقّه، علم النبي أن تقاصر اللسان أليق به فى هذه الحالة فقال :«لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
داوود لو سمعت أذناه قالتها لما ترنّم بالألحان داوود
غنت سعاد بصوتها فتخاذلت ألحان داوود من الخجل

_
(١) هذه كلمة زائدة يمكن الاستغناء عنها، ويرجح ذلك نظم الأسلوب وسياق المعنى، أو ربما كانت (قدمه).


الصفحة التالية
Icon