لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٦
[فصل ] وتتفاوت طبقات الحامدين لتباينهم فى أحوالهم فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه وإكرامه من نوعى صفة نفعه ودفعه، وإزاحته وإتاحته، وما عقلوا عنه من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم قال جل ذكره :«و إن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها»، وطائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه، وأودع سرائرهم من مكنونات بره، وكاشف أسرارهم به من خفى غيبه، وأفرد أرواحهم به من بواده مواجده. وقوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم، ولم يردوا من ملاحظة العز والكرم إلى تصفح أقسام النعم، وتأمل خصائص القسم، و(فرق بين) «١» من يمدحه بعز جلاله وبين من يشكره على وجود أفضاله، كما قال قائلهم :
و ما الفقر عن أرض العشيرة ساقنا ولكننا جئنا بلقياك نسعد
و قوم حمدوه مستهلكين عنهم فيما استنطقوا من عبارات تحميده، بما اصطلم أسرارهم من حقائق توحيده، فهم به منه يعبّرون، ومنه إليه يشيرون، يجرى عليهم أحكام التصريف، وظواهرهم «٢» بنعت التفرقة مرعية، وأسرارهم مأخوذة بحكم جمع «٣» الجمع، كما قالوا :
بيان بيان الحق أنت بيانه وكل معانى الغيب أنت لسانه
قوله جل ذكره : رَبِّ الْعالَمِينَ الرب هو السيد، والعالمون جميع المخلوقات، واختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين لاشتماله على العقلاء والجمادات فهو مالك الأعيان ومنشيها، وموجد الرسوم والديار بما فيها.
و يدل اسم الرب أيضا على تربية الخلق، فهو مرب نفوس العابدين بالتأييد ومرب قلوب الطالبين بالتسديد، ومرب أرواح العارفين بالتوحيد، وهو مرب الأشباح بوجود النّعم، ومرب الأرواح بشهود الكرم.
ويدل اسم الرب أيضا على إصلاحه لأمور عباده من ربيت العديم أربه فهو مصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته، ومصلح أمور العابدين بحسن كفايته، ومصلح أمور الواجدين

_
(١) وردت (وفر...) ثم بعدها بياض فأكملناها على هذا النحو ليتم المعنى.
(٢) وردت (و ظاهرهم) ولكن السياق يقتضى ما أثبتناه.
(٣) وردت (جميع الجمع) ولكن الاصطلاح الصوفي هو جمع الجمع وهو درجة فوق الجمع وجمع الجمع هو الاستهلاك بالكلية وفناء الإحساس بما سوى اللّه (رسالة القشيري ط سنة ١٩٥٩ ص ٣٩).


الصفحة التالية
Icon