لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٧٥
قوله جل ذكره :
[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٢]
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)
هذه وصية له - صلّى اللّه عليه وسلّم - فى باب الفقراء والمستضعفين، وذلك لما قصروا لسان المعارضة عن استدفاع ما كانوا بصدده من أمر إخلاء الرسول - صلوات اللّه عليه وسلامه - مجلسه منهم، وسكنوا متضرعين بقلوبهم بين يدى اللّه أراد أن يبيّن له أثر حسن الابتهال فتولّى - سبحانه - خصيمتهم.
و قال :«وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» : لا تنظر يا محمد إلى خرقتهم على ظاهرهم وانظر إلى حرقتهم فى سرائرهم «١» ويقال كانوا مستورين بحالتهم فشهرهم بأن أظهر قصتهم، ولو لا أنه - سبحانه - قال «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» فشهد لهم بالإرادة وإلا فمن يتجاسر أن يقول إن شخصا مخلوقا يريد الحق سبحانه؟
و يقال إذا كانت الإرادة لا تتعلق - فى التحقيق - إلا بالحدوث، وحقيقة الصمدية متقدسة عن الاتصاف بالحدثان، فمن المعلوم أن هذه الإرادة ليست بمعنى المشيئة، ولا كاشتقاق أهل اللغة لها «٢».
فيقال تكلم الناس فى الإرادة : وأكثر تحقيقها أنها احتياج يحصل فى القلوب يسلب

_
(١) واضح من كلام القشيري اتصاف هذا النفر بصفات كثيرة تدنو بهم من أهل التصوف، وهكذا نجد أن السهروردي فى مقدمة «عوارفه» يوضح أن سبب نزول هذه الآية فى أهل الصّفة الذين كانوا يلازمون صفة مسجد المدينة وليس لهم شغل سوى العبادة وتلاوة القرآن وكان أحدهم إذا ركع قبض بيديه مخافة أن تبدو عورته لتمزق ثوبه... إلخ (عوارف المعارف ص ٤٧).
(٢) يقول القشيري فى هذا المعنى فى «رسالته» : المريد - على موجب الاشتقاق - من له إرادة كالعالم من له علم، لأنه من الأسماء المشتقة، ولكن المريد - في عرف هذه الطائفة من لا إرادة له، فمن لم يتجرد عن إرادته لا يكون مريدا (الرسالة ص ١٠١)


الصفحة التالية
Icon