لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٥٢٥
حين تمّ الهوى وقلنا سررنا وحسبنا من الفراق أمنّا
بعث البين رسله فى خفاء فأبادوا من شملنا ما جمعنا
قوله جل ذكره :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢)
حسن ظنّ آدم - عليه السّلام - حمله على سكون قلبه إلى يمين العدو لأنه لم يخطر بباله أن يكذب فى يمينه باللّه، ثم لمّا بان له أنه دلّاهما بغرور تاب إلى اللّه بصدق الندم، واعترف بأنه أساء وأجرم، فعلم - سبحانه - صدقه فيما ندم، فتداركه بجميل العفو والكرم) «١» قوله جل ذكره : فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما.
لم يحصل استيفاء من الأكل والاستمتاع به للنفس حتى ظهرت تباشير العقاب، وتنغّص الحال، وكذا صفة من آثر على الحق - سبحانه - شيئا يبقيه عنه، فلا يكون له بما آثر استمتاع. وكذلك من ادّخر عن اللّه - سبحانه - نفسه أو ماله أو شيئا بوجه من الوجوه - لا يبارك اللّه فيه، قال تعالى فى صفة الأعداء :«خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ».
ويقال لمّا بدت سوأتهما احتالا فى السّتر، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة فبعدما كانت كسوتهما حلل الجنة ظلّا يستتران بورق الجنة، كما قيل :
للّه درّهم من فتية بكروا مثل الملوك، وراحوا كالمساكين
و أنشدوا : لا تعجبوا لمذلتى فأنا الذي عبث الزمان بمهجتي فأذلّها
ثم إن آدم عليه السّلام لم يساعده الإمكان فى الاستتار بالورق إذ كانت الأشجار أجمع كلّها تتطاول وتأبى أن يأخذ آدم - عليه السّلام - شيئا من أوراقها. وقبل ذلك كان لا يلاحظ الجنة فكان يتيه على الكون بأسره ولكنه صار كما يقال :
و كانت - على الأيام - نفسى عزيزة فلمّا رأت صبرى على الذلّ ذلّت

_
(١) ما بين القوسين موجود فى الهامش أثبتناه فى موضعه من المتن.


الصفحة التالية
Icon