لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٥٧٥
شتّان بين أمة وأمة أمة يختارهم نبيّهم - عليه السّلام، وبين أمة اختارها الحقّ - سبحانه، فقال :«وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ» «١».
الذين اختارهم موسى قالوا :«أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ» والذين اختارهم الحق - سبحانه - قال اللّه تعالى فيهم :«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ» «٢».
ويقال إن موسى - عليه السّلام - جاهر الحقّ - سبحانه - بنعت التحقيق وفارق الحشمة وقال صريحا :«إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ» ثم وكل «٣» الحكم إليه فقال :«تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ» ثم عقّبها ببيان التضرع فقال :«فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا»، ولقد قدّم الثناء على هذا الدعاء فقال :«أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا».
قوله جل ذكره :
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٦]
وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)
نطق بلسان التضرع والابتهال حيث صفّى إليه الحاجة، وأخلص له فى السؤال فقال :
«وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ» أي اهدنا إليك.
وفى هذه إشارة إلى تخصيص نبيّنا - صلّى اللّه عليه وسلّم - فى التبري من الحول والقوة والرجوع إلى الحقّ لأن موسى - عليه السّلام قال :«وَاكْتُبْ لَنا فِي....» ونبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين» ولا أقلّ من ذلك، وقال :
«و اكفلنى كفالة الوليد» ثم زاد فى ذلك حيث قال :«لا أحصى ثناء عليك» «٤».

_
(١) آية ٣٢ سورة الدخان والمقصود أمة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم.
(٢) آية ٢٢ سورة القيامة
(٣) وردت (و قل) والصواب أن تكون (وكل) إليه الحكم.
٤) قال صلّى اللّه عليه وسلّم :«اللهم اكفلنى كفالة الوليد، ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين، وجهت وجهى إليك، وألجأت ظهرى إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك».
اللهم اكفلنى كفالة الوليد... علمها النبي (ص) لبعض أصحابه، للشيخين من حديث البراء. اللهم أمتعني بسمعى وبصرى : الترمذي، والحاكم عن أبى هريرة «و لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين» الحاكم من حديث أنس قال : صحيح على شرط الشيخين، وعلّمه صلّى اللّه عليه وسلّم لابنته الزهراء.


الصفحة التالية
Icon