لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٥٨
[فصل ] الأغنياء أنفقوا من نعمهم على عاقبتهم. والفقراء أنفقوا من هممهم على منابتهم «١» ويقال العبد بقلبه وببدنه وبماله، فبإيمانهم بالغيب قاموا بقلوبهم، وبصلاتهم قاموا بنفوسهم، وبإنفاقهم قاموا بأموالهم، فاستحقوا خصائص القربة من معبودهم، وحين قاموا لحقّه بالكلية استوجبوا كمال الخصوصية.
قوله جلّ ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ٤]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
إيمانهم بالغيب اقتضى إيمانهم بالقرآن، وبما أنزل اللّه من الكتب قبل القرآن، ولكنه أعاد ذكر الإيمان هاهنا على جهة التخصيص والتأكيد، وتصديق الواسطة صلّى اللّه عليه وسلّم فى بعض ما أخبر يوجب تصديقه فى جميع ما أخبر، فإن دلالة صدقه تشهد على الإطلاق دون التخصيص، وإنما أيقنوا بالآخرة لأنهم شهدوا على الغيب فإن حارثة لما قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كيف أصبحت؟ قال : أصبحت مؤمنا باللّه حقا، وكأنى بأهل الجنة يتزاورون وكأنى بأهل النار يتعاوون «٢» وكأنى بعرش ربى بارزا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أصبت فالزم.
و هذا عامر بن عبد القيس يقول :«لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا». وحقيقة اليقين التخلص عن تردد التخمين، والتقصي عن مجوزات الظنون.
قوله جلّ ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ٥]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
يعنى على بيان
(١) من (أناب) وعند القشيري : التوبة بداية والأوبة نهاية والإنابة واسطتهما، فكل من تاب لخوف عقوبة فهو صاحب توبة ومن تاب طمعا فى الثواب فهو صاحب إنابة، ومن تاب مراعاة للأمر لا لرغبة في الثواب، او رهبة من العقاب فهو صاحب اوبة (الرسالة ص ٥٠).
(٢) وردت (و كانى بأهل النار تعاويون) ووردت فى موضع آخر من الكتاب عند تفسير الآية ٤٩ من سورة البقرة (يتعادون). وبالرجوع إلى مصادر الحديث وجدناه على النحو التالي :«سأل النبي (ص) حارثة فقال : لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ فقال : عزفت نفسى عن الدنيا، فأسهرت ليلى، واظمأت نهارى، وكأنى انظر إلى عرش ربى بارزا، وكأنى انظر إلى اهل الجنة يتزاورون، وإلى اهل النار فى النار كيف يتعاوون. فقال له النبي (ص) : عرفت فالزم.».
البزاز بسند ضعيف عن انس، والطبراني فى الكبير من حديث الحارث بن مالك، وسنده ضعيف ايضا