لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٥٩
من ربهم ويقين وكشف وتحقيق، وذلك أنه تجلّى لقلوبهم أولا بآياته ثم تجلّى لها بصفاته ثم تجلى لها بحقه وذاته.
وقوم «عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ» بدلائل العقول وضعوها فى موضعهما فوصلوا إلى حقائق العلوم، وقوم على بصيرة ملاطفات التقريب فبمشاهدة الرحمة والكرم وصلوا إلى بيان اليقين، وآخرون ظهرت الحقيقة لأسرارهم فشهدوا بالغيب حقيقة الصمدية، فوصلوا بحكم العرفان إلى عين الاستبصار.
«وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الفلاح الظفر بالبغية «١»، والفوز بالطلبة، ولقد نال القوم البقاء فى مشهد اللقاء فظفروا بقهر الأعداء، وهى غانمة «٢» النفوس من هواجسها، ثم زلات القلوب من خواطرها «٣»، فوقفوا بالحق للحق بلا واسطة من عقل، أو رجوع إلى ذكر وفكر.
قوله جلّ ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ٦]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦)
من كان فى غطاء وصفه محجوبا عن شهود حقه فالإشارة لنعته أنه سيان عنده قول من دلّه على الحق، وقول من أعانه على استجلاب الحظ، بل هو إلى دواعى الغفلة أميل، وفى الإصغاء إليها أرغب. كيف لا؟ وهو بكىّ الفرقة موسوم، وفى سجن الغيبة محبوس، وعن محل القربة ممنوع، لا يحصل منهم إيمان، لأنه ليس لهم من الحق أمان فلمّا لم يؤمنوا لم يؤمنوا. حكم سبق من اللّه حتم، وقول له فصل، وإن القدرة لا تعارض، ومن زاحم الحق فى القضية «٤» كبسته سطوات العزة، وقصمته بواده «٥» الحكم.
ويقال إن الكافر لا يرعوى عن ضلالته لما سبق من شقاوته، وكذلك المربوط بأغلال نفسه محجوب عن شهود غيبه وحقه، فهو لا يبصر رشده، ولا يسلك قصده. ويقال إن
(١) وردت فى ص (بالبغتة) وهى خطأ من الناسخ.
(٢) الغاغة مرعى البهائم.
(٣) يقول القشيري فى رسالته : إن الهاجس خاص بالنفس والخاطر خاص بالقلب ص ٤٦، ٤٧.
(٤) القضية هنا معناها القضاء.
(٥) البواده ما يفجأ القلب من الغيب على سبيل الوهلة (الرسالة ص ٤٤).