لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٢٢
و يقال إذا كان كون الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - فى الكفار يمنع العذاب عنهم فكون المعرفة فى القلوب أولى بدفع العذاب عنها.
ويقال إن العذاب - وإن تأخّر عنهم مدة مقامهم فى الدنيا مادام هو عليه السّلام فيهم - فلا محالة يصيبهم العذاب فى الآخرة، إذ الاعتبار بالعواقب لا بالأوقات والطوارق.
قوله جل ذكره : وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
علم أنه - عليه السّلام - لا يتأبّد مكثه فى أمته إذ قال له :«وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ» «١»، فقال إنى لا أضيع أمّته وإن قضى فيهم مدّته، فما دامت ألسنتهم بالاستغفار متطلّعة فصنوف العذاب عنهم مرتفعة.
قوله جل ذكره :
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٤]
وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤)
نفى العذاب عنهم فى آية، وأثبته فى آية، فالمنفىّ فى الدنيا والمثبت فى الآخرة.
ثم بيّن إيصال العذاب إليهم فى الآخرة بقوله تعالى :«وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» دليل الخطاب أن إعانة المسلمين على ما فيه قيام بحق الدين يوجب استحقاق القربة والثواب وفى الآية دليل على أنه لا يعذّب أولياءه بقوله :«وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ» فاذا عذّب من لم يكونوا أولياءه دلّ على أنه لا يعذّب من كان من جملة أوليائه. والمؤمنون كلّهم أولياء اللّه لأنه قال :«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا» «٢». والمؤمن - وإن عذّب بمقدار جرمه زمانا فإنه لا يخلّد فى دار العقوبة، فما يقاسون بالإضافة إلى تأبيد الخلاص جلل، وقيل :
إذا سلم العهد الذي كان بيننا فودّى وإن شطّ المزار سليم
قوله جل ذكره : إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
(١) آية ٣٤ سورة الأنبياء.
(٢) آية ٢٥٧ سورة البقرة.