لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٣
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١ الى ١٢]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
الإشارة منها : أنه إذا دعاهم واعظ فى قلوبهم من خفى خواطرهم إلى ما فيه رشدهم تتبعوا رخص التأويل، ولبّسوا على أنفسهم ما يشهد بقساوة قلوبهم، وحين جحدوا برهان الحق من خواطر قلوبهم نزع اللّه البركة من أحوالهم، وأبدلهم تصامما عن الحق، وابتلاهم بالاعتراض على الطريقة «١» وسلبهم الإيمان بها.
وكما أن المرتد أشد على المسلمين عداوة كذلك من رجع عن الإرادة إلى الدنيا والعادة فهو أشد الناس إنكارا لهذه الطريقة، وأبعد من أهلها، وفى المثل : من اخترق كدسه «٢» تمنى أن يقع بجميع الناس ما أصابه.
وإرفاق المرتدين عن طريق الإرادة - عند الصادقين منهم - غير مقبول كما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يقبل زكاة ثعلبة.
ويقال كفى لصاحب الكذب فضيحة بأن يقال له فى وجهه كذبت، فهم لمّا قالوا إنما نحن مصلحون، أكذبهم الحق سبحانه فقال :«أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ» : إنّا نعلمهم فنفضحهم.
قوله عز ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٣]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَ لكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣)
الإشارة منها أن المنافقين لما دعوا إلى الحق وصفوا المسلمين بالسّفه، وكذلك أصحاب الغنى إذا أمروا بترك الدنيا وصفوا أهل الرشد بالكسل والعجز، ويقولون إن الفقراء ليسوا على شى ء، لأنه لا مال لهم ولا جاه ولا راحة ولا عيش، وفى الحقيقة هم الفقراء وهم أصحاب المحنة وقعوا فى الذل مخالفة الذل، ومارسوا الهوان خشية الهوان، شيّدوا القصور ولكن

_
(١) يقصد القشيري طريقة الصوفية.
(٢) الكدس بضم الكاف وتسكين الدال : المجتمع من كل شىء كالحب المحصود والتمر والدرام والرمل والجمع اكداس (الوسيط واللسان).


الصفحة التالية
Icon