لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٤
سكنوا القبور، زيّنوا المهد ولكن أدرجوا اللحد، ركضوا فى ميدان الغفلة ولكن عثروا فى أودية الحسرة، وعن قريب سيعلمون، ولكن حين لا ينفعهم علمهم، ولا يغنى عنهم شى ء.
سوف ترى إذا انجلى الغبار أ فرس تحتك أم حمار
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤ الى ١٥]
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)
أراد المنافقون أن يجمعوا بين عشرة الكفار وصحبة المسلمين، فإذا برزوا للمسلمين قالوا نحن معكم، وإذا خلوا بأضرابهم من الكفار أظهروا الإخلاص لهم، فأرادوا الجمع بين الأمرين فنفوا عنهما. قال اللّه تعالى :«مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ»، وكذلك من رام أن يجمع بين طريق الإرادة وما عليه أهل العادة لا يلتئم ذلك، فالضدان لا يجتمعان، و«المكاتب عبد ما بقي عليه درهم»، وإذا ادلهم الليل من هاهنا أدبر النهار من هاهنا، ومن كان له فى كل ناحية خليط، وفى زاوية من قلبه ربيط كان نهبا للطوارق، ينتابه كل قوم، وينزل فى قلبه كل (....) «١»، فقلبه أبدا خراب، لا يهنأ بعيش، ولا له فى التحقيق رزق من قلبه، قال قائلهم :
أراك بقية من قوم موسى فهم لا يصبرون على طعام
و لما قال المنافقون إنما نحن مستهزئون قال اللّه تعالى :«اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» أي يجازيهم على استهزائهم، كذلك لما ألقى القوم أزمّتهم فى أيدى الشهوات استهوتهم فى أودية التفرقة، فلم يستقر لهم قدم على مقام فتطوحوا فى متاهات الغيبة، وكما يمد المنافقين فى طغيانهم يعمهون يطيل مدة «٢» هؤلاء فى مخايل الأمل فيكونون عند اقتراب آجالهم أطول ما كانوا أملا، وأسوأ ما كانوا عملا، ذلك جزاء ما عملوا، ووبال ما صنعوا. وتحسين أعمالهم القبيحة فى أعينهم من
(١) مشتبهة فى ص.
(٢) وربما كانت يطيل (مد) والسياق يقبل كليهما.