لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٥
أشد العقوبات لهم، ورضاؤهم بما فيه من الفترة «١» أجلّ مصيبة لهم.
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
الإشارة منها أن من بقي عن الحقوق بالبقاء فى أوطان الحظوظ خسرت صفقتهم :
و ما ربحت تجارتهم. والذي رضى بالدنيا عن العقبى لفى خسران ظاهر.
ومن آثر الدنيا أو العقبى على الحق تعالى لأشد خسرانا.
وإذا كان المصاب «٢» بفوات النعيم مغبونا فالذى مني بالبعاد عن المناجاة وانحاز «٣» بقلبه عن مولاه، وبقي فى أسر الشهوات، لا إلى قلبه رسول، ولا لروحه وصول، ولا معه مناجاة، ولا عليه إقبال، ولا فى سرّه شهود - فهذا هو المصاب والممتحن.
وإن من فاته وقت فقد فاته ربه، فالأوقات لا خلف عنها ولا بدل منها، ولقد قال بعضهم :
كنت السواد لمقلتى فبكى عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧)
هذا مثل ضربه اللّه سبحانه للمنافقين بمن استوقد نارا «٤» فى ابتداء ليلته ثم أطفئت النيران فبقى صاحبها فى الظلمة، كذلك المنافق ظهر عليه شىء من العوافي فى الدنيا بظاهره ثم امتحنوا فى الآخرة بأليم العقوبة، أو لاح شىء من إقرارهم ثم بقوا فى ظلمة إنكارهم.
والإشارة من هذه الآية لمن له بداية جميلة يسلك طريق الإرادة، ويتعنّي مدة، ويقاسى بعد الشدة شدة، ثم يرجع إلى الدنيا قبل الوصول إلى الحقيقة، ويعود إلى ما كان فيه من ظلمات البشرية. أورق عوده ثم لم يثمر، وأزهر غصنه ثم لم يدركه، وعجّل كسوف الفترة على
(١) الفترة رجوع عن الإرادة وخروج منها، والوقفة سكون عن السير باستحلاء حالات الكسل، ووقفة المريد شر من فترته (الرسالة ص ١٩٩).
(٢) وردت (المصايب) فى ص وهى غير ملائمة.
(٣) وردت (و أنجاز) والأرجح ما اخترنا.
(٤) وردت (نارى) والأرجح ما اخترنا.