لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٦
أقمار حضوره، وردّته يد القهر بعد ما أحضره لسان اللطف، فوطن عن القرب قلبه، وغلّ من الطالبين نفسه، فكان كما قيل.
حين قرّ الهوى وقلنا سررنا وحسبنا من الفراق أمنّا
بعث البين رسله فى خفاء فأبادوا من شملنا ما جمعنا
و كذلك تحصل الإشارة فى هذه الآية لمن له أدنى شىء من المعاني فيظهر الدعاوى فوق ما هو به، فإذا انقطع عنه (...) «١» ماله من أحواله بقي فى ظلمة دعاواه.
وكذلك الذي يركن إلى حطام الدنيا وزخرفها، فإذا استتبت الأحوال وساعد الأمل وارتفع المراد - برز عليه الموت من مكامن المكر فيترك الكل ويحمل الكلّ.
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨]
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)
صم عن سماع دواعى الحق بآذان قلوبهم، بكم عن مناجاة الحق بألسنة أسرارهم، عمى عن شهود جريان المقادير بعيون بصائرهم، فهم لا يرجعون عن تماديهم فى تهتكهم، ولا يرتدعون عن انهماكهم فى ضلالتهم.
ويقال صم عن السماع بالحق، بكم عن النطق بالحق، وعمى عن مطالعة الخلق بالحق.
لم يسبق لهم الحكم بالإقلاع، ولم تساعدهم القسمة بالارتداع.
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩]
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩)
معنى قوله أو لإباحته ضرب مثلهم إمّا بهذا وإما بذلك شبّه القرآن بمطر ينزل من السماء، وشبّه ما فى القرآن من الوعد والوعيد بما فى المطر من الرعد والبرق، وشبه التجاءهم إلى الفرار عند سماع أصوات الرعد. كذلك الإشارة لأصحاب الغفلات إذا طرق أسماعهم وعظ الواعظين، أو لاحت لقلوبهم أنوار السعادة ولو أقلعوا عمّاهم فيه من الغفلة لسعدوا، لكنهم ركنوا إلى التشاغل بآمالهم الكاذبة، وأصروا على طريقتهم الفاسدة، وتعللوا بأعذار واهية،
(١) هنا كلمات زائدة وضع الناسخ عليها علامات مميزة توضح ضرورة الاستغناء عنها.