لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٧٠
هذه البشارة بالجنان تتضمن تعريفا بنعم مؤجلة لعموم المؤمنين على الوصف الذي يشرح بلسان التفسير. ويشير إلى البشارة للخواص بنعم معجّلة مضافة إلى تلك النعم يتيح (ها) اللّه لهم على التخصيص، فتلك المؤجلة «١» جنان المثوبة وهذه جنان القربة، وتلك رياض النزهة وهذه رياض الزّلفة، بل تلك حدائق الأفضال وهذه حقائق الوصال، وتلك رفع الدرجات وهذه روح المناجاة، وتلك قضية جوده، هذه الاشتعال بوجوده، وتلك راحة الأبشار وهذه نزهة الأسرار، وتلك لطف العطاء للظواهر وهذه كشف الغطاء عن السرائر، وتلك لطف نواله وأفضاله وهذه كشف جماله وجلاله.
قوله جل ذكره : كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
كما أن أهل الجنة تتجدد «٢» عليهم النعم فى كل وقت، فالثانى عندهم - على ما يظنون - كالأول، فإذا ذاقوه وجدوه فوق ما تقدّم - فكذلك أهل الحقائق : أحوالهم فى السرائر أبدا فى الترقي، فإذا رقىّ أحدهم عن محلّه توهّم أن الذي سيلقاه فى هذا النّفس مثل ما تقدم فإذا ذاقه وجده فوق ذلك بأضعاف، كما قال قائلهم :
مازلت أنزل من ودادك منزلا تتحيّر الألباب دون نزوله
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦)
الاستحياء من اللّه تعالى بمعنى التّرك، فإذا وصف نفسه بأنه يستحى من شىء فمعناه أنه لا يفعل ذلك وإذا قيل لا يستحى فمعناه لا يبالى بفعل ذلك.
و الخلق فى التحقيق - بالإضافة إلى وجود الحق - أقلّ من ذرة من الهباء فى الهواء،
(١) وقع الناسخ فى خطأ فكتبها (المعجلة) والسياق يرفضها لأن الإشارة للبعيد بتلك وللقريب بهذه.
(٢) وردت (يحدد) والسياق برفضها ويقبل (تتجدد) وربما كانت (يجدد) أي الحق سبحانه وتعالى يجدد.