لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٧١
لأن هذا استهلاك محدود فى محدود. فسيّان - فى قدرته»
- العرش والبعوضة، فلا خلق العرش أشق وأعسر، ولا خلق البعوضة أخف عليه وأيسر، فإنه سبحانه متقدّس عن لحوق العسر واليسر.
فإذا كان الأمر بذلك الوصف، فلا يستحى أن يضرب بالبعوضة مثلا كما لا يستحى أن يضرب بالعرش - فما دونه - مثلا.
وقيل إن جهة ضرب المثل بالبعوضة أنها إذا جاعت فرّت «١» وطارت، وإذا شبعت تشققت فتلفت كذلك (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ).
وقيل ما فوقها يعنى الذباب، وجهة الإشارة فيه إلى وقاحته، حتى إنه ليعود عند البلاغ فى الذب، ولو كان ذلك فى الأسد لم ينج منه أحد من الخلق، ولكنه لمّا خلق القوة فى الأسد خلق فيه تنافرا من الناس، ولمّا خلق الوقاحة فى الذباب خلق فيه الضعف، تنبيها منه سبحانه على كمال حكمته، ونفاذ قدرته.
قوله جل ذكره : فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا.
فأمّا من فتحت أبصار سرائره فلا ينظر إلى الأغيار والآثار إلا بنظر الاعتبار، ولا يزداد إلا نفاذ الاستبصار. وأمّا الذين سكرت أبصارهم بحكم الغفلة فلا يزيدهم ضرب الأمثال إلا زيادة الجهل والإشكال والأنكال.
قوله جل ذكره : يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ.
هذا الكتاب لقوم شفاء ورحمة، ولآخرين شقاء وفتنة. فمن تعرّف إليه يوم الميثاق بأنوار العناية حين سمعوا قوله :«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» تذكّروا عند ورود الواسطة - صلوات اللّه عليه وعلى آله - قديم عهده، وسابق ودّه فازدادوا بصيرة على بصيرة، ومن رسمه بذلّ القطيعة، وأنطقه ذلك اليوم عن الحسبان والرهبة ما ازدادوا عند حصول الدعوة
(١) وردت (فريت) وهى خطأ فى النسخ.
(٣) وردت (قدرة). [.....]