لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٧٥
لو كان من المخلوقين. والحق سبحانه وتعالى خلق الجنان بما فيها، والعرش بما هو عليه من انتظام الأجزاء وكمال الصورة، ولم يقل إنى خالق عرشا أو جنة أو ملكا، وإنما قال تشريفا وتخصيصا لآدم إنى جاعل فى الأرض خليفة.
فصل ] ولم يكن قول الملائكة :«أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها» على وجه الاعتراض على التقدير ولكن على جهة الاستفهام، فإن حمل الخطاب على ما يوجب تنزيه الملائكة أولى لأنهم معصومون... قال تعالى «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ».
ويقال استخرج الحق سبحانه منهم ما استكنّ فى قلوبهم من استعظام طاعاتهم والملاحظة إلى أفعالهم بهذا الخطاب فأفصحوا عن خفايا أسرارهم بقولهم :«وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ». ثم إن الحق سبحانه عرّفهم أن الفضيلة بالعلم أتمّ من الفضيلة بالفعل، فهم كانوا أكثر فعلا وأقدمه، وآدم كان أكثر علما وأوفره، فظهرت فضيلته ومرتبته.
ويقال لم يقل الحق سبحانه أنتم لا تفسدون فيها ولا تسفكون الدماء بل قال :«إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ»، من غفرانى لهم.
ويقال : فى تسبيحهم إظهار فعلهم واشتهار خصائصهم وفضلهم «١»، ومن غفرانه لمعاصى بنى آدم إظهار كرمه سبحانه ورحمته، والحق سبحانه غنى عن طاعات كل مطيع، فلئن ظهر بتسبيحهم استحقاق تمدحهم ثبت بالغفران استحقاق تمدح الخالق سبحانه.
ويقال إنى أعلم ما لا تعلمون من صفاء عقائد المؤمنين منهم فى محبتنا، وذكاء سرائرهم فى حفظ عهودنا وإن تدنّس بالعصيان ظاهرهم، كما قيل :
و إذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف «٢» شفيع
و يقال إنى أعلم ما لا تعلمون من محبتى لهم، وأنتم تظهرون أحوالكم، وأنا أخفى عليهم أسرارى فيهم، وفى معناه أنشدوا :
ما حطّك الواشون عن رتبة عندى ولا ضرك مغتاب
كأنهم أثنوا - ولم يعلموا - عليك عندى بالذي عابوا «٣»
١) نلاحظ هنا تأثر القشيري بفكرة الملامة النيسابورية التي ظهرت فى موطنه، والتي من أصولها عدم إظهار الفعل، لأن فى ذلك ملاحظة واستجلاب، ملاحظة لفعل الإنسان وهو مهما بلغ تافه حقير، واستجلاب لرضاء الناس والاشتهار بينهم، وكلا الأمرين - فى نظر الملامتية - شرك خفى.
(٢) وردت (بألفى) وبها ينكر الوزن.
(٣) وردت أخطاء كثيرة فى البيتين مثل (ضربك) ولم (يعلموا علمك).