لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ١١٠
قصّ عليه - صلوات اللّه عليه وسلامه - أنباء الأولين، وشرح له جميع أحوال الغابرين، ثم فضّله على كافتهم أجمعين، فكانوا نجوما وهو البدر، وكانوا أنهارا وهو البحر، ثم به انتظم عقدهم، وبنوره أشرق نهارهم، وبظهوره ختم عددهم «١»، كما قيل :
يوم وحسب الدهر من أجله حيّا غد والتفت الأمس
قوله جل ذكره :
[سورة يونس (١٠) : آية ٧٦]
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦)
ما زادهم الحقّ سبحانه بيانا إلا ازدادوا طغيانا، وذلك أنه تعالى أجرى سنّته فى المردودين عن معرفته أنه لا يزيد فى الحجج هدى إلا ويزيد فى قلوبهم عمّى، ثم خفى عليهم قصود النبيين صلوات اللّه عليهم أجمعين.
«يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ» : نظروا من حيث كانوا لم يعرفوا طعما غير ما ذاقوا، وكذا صفة من أقصته السوابق، وردّته المشيئة.
قوله جل ذكره :
[سورة يونس (١٠) : آية ٧٨]
قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَ تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَ ما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)
ركنوا إلى تقليد آبائهم فيما عليه كانوا، واستحبّوا استدامة ما عليه كانوا... فلحقهم شؤم العقيدة وسوء الطريقة حتى توهموا أن الأنبياء عليهم السلام إنما دعوهم إلى اللّه لتكون لهم الكبرياء على عباد اللّه، ولم يعلموا أنهم إنما دعوهم إلى اللّه بأمر اللّه.
قوله جل ذكره :
[سورة يونس (١٠) : آية ٧٩]
وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩)
لما استعان فى استدفاع ما استقبله بغير اللّه لم يلبث إلا يسيرا حتى تبرّأ منهم وتوعّدهم

_
(١) قارن ذلك بما يقوله الحلاج فى طواسينه وبما يقوله أصحاب «نظرية الإنسان الكامل» عن الحقيقة المحمدية لتلحظ مدى اعتدال هذا الامام السنى المتحفظ فى نظرته لشخصية الرسول عليه صلاة اللّه وسلامه.


الصفحة التالية
Icon