لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ١٧١
و يقال لم تطبّ نفوسهم بأن يذهبوا عن باب اللّه بالكليّة فدبّروا لحسن الرجوع قبل ارتكاب مادعته إليه نفوسهم، وهذه صفة أهل العرفان باللّه «١».
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠]
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)
إخوة يوسف - وإن قابلوه بالجفاء - منعتهم شفقة النّسب وحرمة القرابة من الإقدام على قتله فقالوا لا تقتلوه وغيّبوا شخصه.
ويقال إنما حملهم على إلقائه مرادهم أن يخلو لهم وجه أبيهم، فلمّا أرادوا حصول مرادهم فى تغييبه لم يبالغوا فى تعذيبه.
ويقال لمّا كان المعلوم له - سبحانه - فى أمر يوسف تبليغه إياه تلك القربة ألقى اللّه فى قلب قائلهم حتى قال :«لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ».
ثم إنه - وإن أبلاه فى الحال - سهّل عليه ذلك فى جنب ما رقّاه إليه فى المآل «٢»، قال قائلهم :
كم مرة حفّت بك المكاره خار لك اللّه - وأنت كاره
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ١١]
قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١)
كلام الحسود لا يسمع، ووعده لا يقبل - وإنّ كانا فى معرض النّصح فإنّه يطعم الشّهد ويسقى الصّاب.
ويقال العجب من قبول يعقوب - عليه السلام - ما أبدى بنوه له من حفظ يوسف عليه السلام وقد تفرّس فيهم قلبه فقال ليوسف :«فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً» ولكن إذا جاء القضاء فالبصبرة تصير مسدودة.
(١) واضح من هنا ومما جاء فى السياق أن القشيري - بتسامحه الصوفي الأصيل - ينظر إلى إخوة يوسف نظرة خالية من التحامل عليهم.
(٢) كأنما ينصح القشيري أصحاب الإرادة : إن لقيتم اليوم فى اللّه شدة، فلكم غدا مثوبة. وكأنما يوضح لأهل الجدل : إن مقاييس الشر والخير الإنسانية خاطئة قاصرة.