لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٣٣٤
فقال :«وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا» «١»، وأخبر عن نبينا صلى اللّه عليه وسلم بأنه «أَسْرى بِعَبْدِهِ» وليس من جاء بنفسه كمن أسرى به ربّه، فهذا متحمّل وهذا محمول، هذا بنعت الفرق وهذا بوصف الجمع، هذا مريد وهذا مراد.
ويقال جعل المعراج بالليل عند غفلة الرّقباء وغيبة الأجانب، ومن غير ميعاد، ومن غير تقديم أهبة واستعداد، كما قيل :«٢» ويقال جعل المعراج بالليل ليظهر تصديق من صدّق، وتكذيب من تعجّب وكذّب أو أنكر وجحد.
ويقال لما كان تعبّده صلى اللّه عليه وسلم وتهجّده بالليل جعل الحقّ سبحانه المعراج بالليل ويقال :
ليلة الوصل أصفى من شهور ودهور سواها
و يقال أرسله الحقّ - سبحانه - ليتعلّم أهل الأرض منه العبادة، ثم رقّاه إلى السماء ليتعلّم الملائكة منه آداب العبادة، قال تعالى في وصفه - صلى اللّه عليه وسلم - :«ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى » «٣»، فما التفت يمينا ولا شمالا، وما طمع فى مقام ولا فى إكرام تجرّد عن كلّ طلب وأرب.
قوله :«لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا» : كان تعريفه بالآيات ثم بالصفات ثم كشف بالذات.
ويقال من الآيات التي أراها له تلك الليلة أنه ليس كمثله - سبحانه - شىء فى جلاله وجماله، وعزّه وكبريائه، ومجده وسنائه ثم أراه من آياته تلك الليلة ما عرف به صلوات اللّه عليه - أنه ليس أحد من الخلائق مثله فى نبوته ورسالته وعلوّ حالته وجلال رتبته.
(١) آية ١٤٣ سورة الأعراف.
(٢) هنا شاهد شعرى مضطرب فى الكتابة، وأكثر أجزائه سلامة هو : والناس عما نحن فيه بمعزل.
(٣) آية ١٧ سورة النجم.