لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٣٧٩
و يقال مكثوا فى الكهف مدة فأضافهم إلى مستقرّهم فقال :«أَصْحابَ الْكَهْفِ»، وللنفوس محال، وللقلوب مقارّ، وللهم مجال، وحيثما يعتكف يطلب أبدا صاحبه «١».
ويقال الإشارة فيه ألا تتعجّب من قصتهم فحالك أعجب فى ذهابك إلينا فى شطر من الليل حتى قاب قوسين أو أدنى «٢»، وهم قد بقوا فى الكهف سنين.
قوله جل ذكره :
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠]
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠)
آواهم إلى الكهف بظاهرهم، وفى الباطن فهو مقيلهم فى ظلّ إقباله وعنايته، ثم أخذهم عنهم، وقام عنهم فأجرى عليهم الأحوال وهم غائبون عن شواهدهم «٣».
وأخبر عن ابتداء أمرهم بقوله. «رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً» :
أي أنهم أخذوا فى التبرّى من حولهم وقوّتهم، ورجعوا إلى اللّه بصدق فاقتهم، فاستجاب لهم دعوتهم، ودفع عنهم ضرورتهم «٤»، وبوّأهم فى كنف الإيواء مقيلا حسنا.
قوله جل ذكره :
[سورة الكهف (١٨) : آية ١١]
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١)
أخذناهم عن إحساسهم بأنفسهم، واختطفناهم عن شواهدهم بما استغرقناهم فيه من حقائق ما كاشفناهم به من شهود الأحدية، وأطلعناهم عليه من دوام نعت الصمدية.
(١) معنى العبارة يطلب صاحب المكان من حيث المكان الذي يعتكف فيه.
(٢) يشير القشيري بذلك إلى المنزلة الرفيعة التي وصل إليها المصطفى - صلوات اللّه عليه - ليلة الإسراء والمعراج، وكيف أنه انتهى فى ليلة واحدة إلى ما لم يصل إليه أصحاب الكهف فى سنين.
٣) واضح أن القشيري يعالج قصة أهل الكهف في ضوء حال الفناء وحال البقاء.. وهذا من النماذج التي يقدمها التصوف لتفسير الظواهر العجيبة التي تقلب فيها العادة، وبحار فيها العقل.
(٤) يقصد من الضرورة هنا ما يلزم الإنسان من طعام وشراب وتخلص من بقاياهما.. ونحو ذلك.