لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٣٨٣
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٧ الى ١٨]
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
«١» كانوا فى متّسع من الكهف، ولكن كان شعاع الشمس لا ينبسط عليهم مع هبوب الرياح عليهم.
ويقال أنوار الشمس تتقاصر وتتصاغر بالإضافة إلى أنوارهم «٢».
إن نور الشمس ضياء يستضىء به الخلق، ونور معارفهم أنوار يعرف بها الحق، فهذا نور يظهر فى الصورة، وهذا نور يلوح فى السريرة. وبنور الشمس يدرك الخلق وبنورهم كانوا يعرفون الحق.
وفى قوله - عزّ اسمه :«ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ» فيه دلالة على أن فى الأمر شيئا بخلاف العادة، فيكون من جملة كرامات الأولياء ويحتمل أن يكون شعاع الشمس إذا انتهى إليهم ازورّ عنهم، ومضى دونهم بخلاف «٣» ما يقول أصحاب الهبة، ليكون فعلا ناقضا للعادة فلا يبعد أن يقال إن نور الشمس يستهلك فى النور الذي عليهم.
قوله جل ذكره : مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً فاللّه يهدى قوما بالأدلة والبراهين، وقوما بكشف اليقين فمعارف الأولين قضية الاستدلال، ومعارف الآخرين حقيقة الوصال، فهؤلاء مع برهان، وهؤلاء على بيان كأنهم أصحاب عيان :
«وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ» : أي من وسمه بسمة الحرمان فلا عرفان ولا علم ولا إيمان.
قوله جل ذكره : وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ

_
(١) تقرضهم أي تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم.
(٢) بالإضافة إلى أنوارهم أي إذا قيست بانوارهم.
(٣) أي هذا على لسان أهل التفسير أما على لسان أهل الإشارة. وهذه أول مرة يطلق القشيري (أصحاب الهبة) هذا الوصف عليهم فى «لطائفه»، لهذا نبهنا إليه.


الصفحة التالية
Icon