لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥١٣
فى الحسن، فهمّ أن يأخذه، فتباعد ولم يطر كالمطمع له فى أخذه، فلم يزل يستأخر قليلا قليلا حتى طار من كوّة البيت، فتبعه داود ينظر إليه من الكوة من ورائه، فوقع بصره على امرأة أوريا، وكانت قد تجرّدت من ثيابها تغتسل فى بستان خلف البيت الذي به داود، فحصل فى قلبه ما حصل، وأصاب سهم التقدير حدقته، ولم تنفعه صنعة اللّبوس التي كان تعلّمها لتحّصنه من بأسه.
قوله جل ذكره :
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨١]
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَ كُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١)
سخّر اللّه له الريح غدوّها شهر ورواحها شهر، ولو أراد أن يزيد فى قدر مسافتها شبرا لما استطاع، تعريفا بأنه موقوف على حكم التقدير، فشهود التقدير كان يمنعه عن الإعجاب بما أكرم به من التسخير، ولقد نبّه - سبحانه - من حيث الإشارة أن الذي ملكه سليمان كالريح إذا مرّ وفات، أو أنه لا يبقى باليد منه شىء «١».
وفى القصة أنه لا حظ ذلك يوما فمالت الريح ببساطه قليلا، فقال سليمان للريح : استو.
فقالت له الريح : استو أنت. أي إنما ميلى ببساطك لميلك بقلبك بملاحظتك فإذا استويت أنت استويت أنا «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٢]
وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَ كُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢)
إنما كان ذلك أياما قلائل فى الحقيقة. ثم إنه أراد يوما أن يعود إلى مكانه فجاءه ملك الموت فطالبه بروحه، فقال : إلىّ حين أرجع إلى مكانى.
فقال له : ولا وجه للتأخير، وقبضه وهو قائم يتكئ على عصاه وبقي بحالته، ولم تعلم الجنّ،
(١) فهو كما قيل : باطل وقبض الريح.
(٢) فى ذلك إشارة إلى أصحاب الأحوال بأنه إذا تغيرت أو تعذرت الأمور فالسبب كامن فى نفوسهم.