لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥١٤
إلى أن أكلت دابة الأرض - كما فى القصة - عصاه، فلما خرّ سليمان علمت الشياطين بموته، وتحققوا أنّ الذي بالعصا قيامه فقهر الموت يلحقه.
قوله جل ذكره :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٣ الى ٨٤]
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
أي واذكر أيوب «١» حين نادى ربّه. وسمّى أيوب لكثرة إيابه إلى اللّه فى جميع أحواله فى السرّاء والضرّاء، والشّدّة والرّخاء.
ولم يقل : ارحمني، بل حفظ أدب الخطاب فقال :«وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».
ومن علامات الولاية أن يكون العبد محفوظا عليه وقته في أوان البلاء.
ويقال إخباره عنه أنه قال :«مَسَّنِيَ الضُّرُّ» لم يسلبه اسم الصبر حيث أخبر عنه سبحانه بقوله :«إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً» لأنّ الغالب كان من أحواله الصبر، فنادر قالته لم يسلب عنه الغالب من حالته. والإشارة من هذا إلى أنّ الغالب من حال المؤمن المعرفة، أو الإيمان باللّه فهو الذي يستغرق جميع أوقاته، ولا يخلو منه لحظة ونادر زلّاته - مع دائم إيمانه - لا يزاحم الوصف الغالب.
ويقال لمّا لم يكن قوله : مسنى الضرّ على وجه الاعتراض على التقدير - بل كان على وجه إظهار العجز - فلم يكن ذلك منافى الصفة الصبر.
ويقال استخرج منه هذا القول ليكون فيه متنفّس للضعفاء فى هذه الأمة حتى إذا ضجّوا فى حال البلاء لم يكن ذلك منافى الصفة الصبر.
ويقال لم يكن هذا القول منه على جهة الشكوى، وإنما كان من حيث الشكر «أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ» الذي تخصّ به أولياءك، ولو لا أنك أرحم الراحمين لما خصصتنى بهذا، ولكن برحمتك أهّلتنى لهذا.
(١) فى تقدير با أن ما كتبه القشيري فى هذا الموضع عن أيوب عليه السلام من أجمل ما كتب فى هذا الموضوع سواء من الناحية الأدبية أو من الناحية الإشارى ة.