لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥٣٤
نفسه بشهود تخصيص اللّه سبحانه بما أفرده به فليقتل نفسه من الغيظ خنقا، ثم لا ينفعه ذلك، كما قيل :
إن كنت لا ترضى بما قد ترى فدونك الحبل به فاخنق
قوله جل ذكره :
[سورة الحج (٢٢) : آية ١٦]
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَ أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)
«آياتٍ بَيِّناتٍ» : أي دلالات وعلامات نصبها الحقّ سبحانه لعباده، فمن الآيات ما هو قضية العقل، ومنها ما هو قضية الخبر والنقل، ومنها ما هو تعريفات فى أوقات المعاملات «١» فما يجده العبد فى حالاته من انغلاق، واشتداد قبض، وحصول خسران، ووجوه امتحان..
لا شكّ ولا مرية إذا أخلّ بواجب أو ألمّ بمحظور «٢». أو تكون زيادة بسط أو حلاوة طاعة، أو تيسير عسير من الأمور، أو تجدد إنعام عند حصول شىء من طاعاته.
ثم قد يكون آيات فى الأسرار، هى خطاب الحقّ ومحادثة معه، كما فى الخبر :
«لقد كان فى الأمم محدّثون فإن يك فى أمتى فعمر» «٣» ثم يقال الآيات ظاهرة، والحجج زاهرة، ولكن الشأن فيمن يستبصر.
قوله جل ذكره :
[سورة الحج (٢٢) : آية ١٧]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ وَ النَّصارى وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)
أصناف الناس على اختلاف مراتبهم : الولىّ والعدوّ، والموحّد والجاحد يجمعون يوم الحشر، ثم الحقّ - سبحانه - يعامل كلا بما وعده إما بوصال بلا مدى، أو بأحوال

_
١) يمكن القول إن هذه هى المصادر الأساسية لما أطلقنا عليه من قبل (أصول الفقه الصوفي) ومنها يتضح اهتمام القشيري بالعقل ثم النقل ثم ما يحصل من العرفان نتيجة المجاهدات.
(٢) فإن الإثم ما حاك فى صدرك كما قال المصطفى صلوات اللّه عليه وسلامه.
(٣) وهى التي يطلق عليها القشيري (الفراسة) انظر الرسالة ص ١١٥ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon