لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥٧٦
قوله جل ذكره :
[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ٢٩]
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩)
الإنزال المبارك أن يكون باللّه وللّه، وعلى شهود اللّه من غير غفلة عن اللّه، ولا مخالفا لأمر اللّه ويقال الإنزال المبارك الاستيعاب بشهود الوصف عنك، ثم الاستغراق باستيلاء سلطان القرب عليك، ثم الاستهلاك بإحداق أنوار التجلّى حتى لا تبقى عين ولا أثر، فإذا تمّ هذا ودام هذا فهو نزول بساحات الحقيقة مبارك لأنك بلا أنت.. بكليتك من غير بقية أو أثر عنك.
قوله جل ذكره :
[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ٣١]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١)
تتابعت القرون على طريقة واحدة فى التكذيب، وغرّهم طول الامهال، وما مكنّهم من رفه العيش وخفض الدّعة، فلم يقيسوا إلا على أنفسهم، ولم يسم لهم طرف إلى من فوقهم فى الحال والمنزلة، فقالوا : أ نؤمن بمن يتردد فى الأسواق، وينتفع مثلنا بوجوه الأرفاق؟
و لئن أطعنا بشرا مثلنا لسلكنا سبيل الغىّ، وتنكبنا سنّة الرّشد. فأجراهم اللّه فى الإهانة وإحلال العقوبة بهم مجرى واحدا، وأذاقهم عذاب الخزي. وأعظم ما داخلهم من الشّبهة والاستبعاد أمر الحشر والنشر، ولم يرتقوا للعلم بأنّ الإعادة كالابتداء فى الجواز وعدم الاستحالة، واللّه يهدى من يشاء ويغوى من يريد.
ثم إن اللّه فى هذه السورة ذكر قصة موسى عليه السلام، ثم بعده قصة عيسى عليه السلام، وخصّ كلّ واحد منهم بآياته الباهرة ومعجزاته الظاهرة «١».
قوله جل ذكره :
[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ٥١]
يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١)
كلوا من الطيبات مما أحلّ لكم وأباح، وما هو محكوم بأنه طيب - على شريطة مطابقة
(١) نلاحظ هنا أن القشيري قد اختصر الكلام فقفز إلى الآية ٥٠ دون تمهل أمام كل آية كما تعودنا منه