لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٥٩٧
قال : عائشة. فساكنها.
وفى بعض الأخبار أن عائشة قالت :«يا رسول اللّه إنى أحبك وأحب قربك»..
فأجرى اللّه حديث الافك حتى ردّ قلب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عنها إلى اللّه، وردّ قلب عائشة عنه إلى اللّه حيث قال - لما ظهرت براءة ساحتها : بحمد اللّه لا بحمدك كشف اللّه عنها به تلك المحقة، وأزال الشكّ، وأظهر صدقها وبراءة ساحتها.
ويقال إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«اتقوا فراسة المؤمن فإنّ المؤمن ينظر بنور اللّه» «١»، فإذا كانت الفراسة صفة المؤمن فأولى الناس بالفراسة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم لم تظهر له بحكم الفراسة براءة ساحتها، حتى كان يقول :«إن فعلت فتوبى».
والسبب فيه أنه فى أوقات البلاء يسدّ اللّه على أوليائه عيون الفراسة إكمالا للبلاء.
وكذلك إبراهيم - عليه السلام - لم يميّز ولم يعرف الملائكة حيث قدّم إليهم العجل الحنيذ، وتوهمهم أضيافا. ولوط عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكة إلى أن أخبروه أنهم ملائكة.
ويقال إنه كان - صلى اللّه عليه وسلم - يقول لعائشة :«يا حميراء».
فلما كان زمان الإفك، وأرسلها إلى بيت أبويها، واستوحش الأبوان معها، ومرضت عائشة - رضى اللّه عنها - من الحزن والوجد، كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إذا رأى واحدا من دار أبى بكر يقول :
كيف بيتكم؟ لا عائشة ولا حميراء! فما كان يطيب بالتغافل عنها، فتعبيره - إن لم يفهم بالتصريح - فيفقه بالتلويح.
ثم إنه - سبحانه - قال :«لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ» : فبمقدار جرمهم احتمل كلّ واحد ما يخصّه من الوزر.
قوله جل ذكره :
[سورة النور (٢٤) : آية ١٢]
لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)
(١) الترمذي والطبراني، الترمذي من حديث أبى سعد، والطبراني وأبو نعيم بسند حسن عن أنس.