لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٦٣١
أخبر أن الذين تقدّموه من الرسل كانوا بشرا، ولم تكن الخصوصية لهم إلا ظهور المعجزات عليهم. وفى الجملة الفضائل بالمعاني لا بالصورة، ثم قال :
«وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً».
(فضّل بعضا على بعض، وأمر المفضول بالصبر والرضاء، والفاضل بالشكر على العطاء) «١» وخصّ قوما بالبلاء وجعلهم فتنة لأهل البلاء، وخصّ قوما بالعوافي، وآخرين بالأسقام والآلام، فلا لمن نعّمه مناقب، ولا لمن امتحنه معايب.. فبحكمه لا يجرمهم، وبفضله لا بفعلهم، وبإرادته لا بعبادتهم، وباختياره لا بأوضارهم، وبأقداره لا بأوزارهم، وبه لا بهم.
قوله :«أَتَصْبِرُونَ؟» استفهام فى معنى الأمر، فمن ساعده التوفيق صبر وشكر، ومن قارنه الخذلان أبى وكفر.
قوله جل ذكره :
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٢١]
وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١)
«لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» : لا يؤمنون بالحشر والنشر والرجوع إلى اللّه فى القيامة من الدنيا.
وكما كانوا لا يخافون العذاب، ولا ينتظرون الحشر كذلك كانوا لا يؤمنون لقاء اللّه.
فمنّكر الرؤية من أهل القبلة - ممن يؤمن بالقيامة والحشر - مشارك لهؤلاء فى جحد ما ورد به الخبر والنقل لأن النّقل كما ورد بكون الحشر ورد بكون الرؤية لأهل الإيمان «٢».
فالذين لم يؤمنوا قالوه على جهة رؤية المقام لأنفسهم، وأنه مسلم لهم ما اقترحوه من نزول

_
(١) ما بين القوسين فى م وغير موجود فى ص.
(٢) يعود القشيري بعد قليل إلى شرح موضوع الرؤية عند تفسيره الآية :«وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً»


الصفحة التالية
Icon