لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٦٣٢
الملائكة عليهم ورؤية ربهم. وذلك وإن كان فى القدرة جائزا - إلا أنه لم يكن واجبا بعد إزاحة عذرهم بظهور معجزات الرسول عليه السلام، فلم يكن اقتراح ما قالوه جائزا لهم.
قوله جل ذكره :
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٢٢]
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢)
اقترحوا شيئين : رؤية الملائكة ورؤية اللّه، فأخبر أنهم يرون الملائكة عند التوفّى، ولكن تقول الملائكة لهم :«لا بشرى لكم!».
«حِجْراً مَحْجُوراً» : أي حراما ممنوعا يعنى رؤية اللّه عنهم، فهذا يعود إلى ما جرى ذكره، وحمله على ذلك أولى من حمله على الجنة، ولم يجر لها هنا ذكر. ثم فيه بشارة للمؤمنين بالرؤية لأنهم يرون الملائكة ويبشرونهم بالجنة، قال تعالى :«تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ» «١» فكما لا تكون للكفار بشارة بالجنة وتكون للمؤمنين لا تكون الرؤية للكفار وتكون للمؤمنين.
قوله جل ذكره :
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٢٣]
وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)
هذه آفة الكفار ضاع سعيهم وخاب جهدهم، وضاع عمرهم وخسرت صفقتهم وانقطع رجاؤهم، وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وأما أصحاب الحقائق وأرباب التوحيد فى لوح لقلوبهم من سماع هذه الآية ما يحصل به كمال روحهم، وتتأدّى إلى قلوبهم من الراحات ما يضيق عن وصفه شرحهم : ويتقاصر عن ثنائه نطقهم، حيث يسمعون قوله :«وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً» ولقد ظهرت قيمة أعمالهم حيث قال الحقّ لأجله :«وَقَدِمْنا إِلى...» فهم إذا سمعوا ذلك وجب لهم من الأريحية ما يشغلهم عن الاهتمام لقوله :«فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً» ويقولون : يا ليت

_
(١) آية ٣٠ سورة فصلت.


الصفحة التالية
Icon