لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ٨٣
تحمّلنا ألا نجيبهم، وبرحمتنا عليهم لا نسمع منهم دعاءهم. وربما يشكو العبد بأن الربّ لا يجيب دعاءه، ولو علم أنه ترك إجابته لطفا منه وأنّ فى ذلك بلاء لو أجابه، كما قيل :
أناس أعرضوا عنّا بلا جرم ولا معنى
أساءوا ظنّهم فينا فهلّا أحسنوا الظّنا
قوله جل ذكره :
[سورة يونس (١٠) : آية ١٢]
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)
إذا امتحن العبد وأصابه الضّرّ أزعجته الحال إلى أن يروم التخلّص مما ناله، فيعلم أنّ غير اللّه لا ينجيه، فتحمله الضرورة على صدق الالتجاء إلى اللّه، فإذا كشف اللّه عنه ما يدعو لأجله شغلته راحة الخلاص عن تلك الحالة، وزايله ذلك الالتياع، وصار كأنه لم يكن فى بلاء قط :
كأنّ الفتى لم يعر يوما إذ اكتسى ولم يك صعلوكا إذا ما تموّلّا
و يقال بلاء يلجئك إلى الانتصاب بين يدى معبودك أجدى لك من عطاء ينسيك ويكفيك عنه.
قوله جل ذكره :
[سورة يونس (١٠) : آية ١٣]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣)
أخبر الحقّ سبحانه بإهلاك الظالمين، كما فى الخبر :«لو كان الظلم بيتا فى الجنّة لسلّط اللّه عليه الخراب». والظلم وضع الشيء فى غير موضعه، فإذا وضع العبد قصده - عند حوائجه - فى المخلوقين، وتعلّق قلبه بهم فى الاستعانة، وطلب المأمول فقد وضع الشيء فى غير موضعه،


الصفحة التالية
Icon