لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١١٦
أشدّ الظلم متابعة الهوى لأنه قريب من الشّرك، قال تعالى :«أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ» «١». فمن اتّبع هواه خالف رضا مولاه فهو بوضعه الشيء غير موضعه صار ظالما، كما أنّ العاصي بوضعه المعصية موضع الطاعة ظالم.. كذلك هذا بمتابعة هواه بدلا عن موافقة ومتابعة رضا مولاه صار في الظلم متماديا.
قوله جل ذكره :
[سورة الروم (٣٠) : آية ٣٠]
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠)
أخلص قصدك إلى اللّه، واحفظ عهدك مع اللّه، وأفرد عملك في سكناتك وحركاتك وجميع تصرفاتك للّه.
«حَنِيفاً» : أي مستقيما في دينه، مائلا إليه، معرضا عن غيره «٢». والزم «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» أي أثبتهم عليها قبل أن يوجد منهم فعل ولا كسب، ولا شرك ولا كفر، وكما ليس منهم إيمان وإحسان فليس منهم كفران ولا عصيان. فاعرف بهذه الجملة، ثم افعل ما أمرت به، واحذر ما نهيت عنه.
فعلى هذا التأويل فإن معنى قوله :«فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» أي اعرف واعلم أن فطرة اللّه التي فطر الناس عليها : تجرّدهم عن أفعالهم، ثم اتصافهم بما يكسبون - وإن كان هذا أيضا بتقدير اللّه «٣».
وعلى هذا تكون «فِطْرَتَ» اللّه منصوبة بإضمار اعلم - كما قلنا.
(١) آية ٢٣ سورة الجاثية.
(٢) فكلمة «حنيف» من الأضداد.
(٣) يذكرنا هذا بتفسير أبى طالب المكي لقول رابعة «أحبك حبين..» فالحب الأول فطرى تفضل اللّه به، والحب الثاني عانته هي بكسبها ولكنها حتى في هذا الحب الكسبي لا فضل لها، ولذلك استدركت :
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لى ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
أنظر (قوت القلوب المكي ح ٢ ص ٥٦ وماتلاها) وانظر أيضا كتابنا (نشأة التصوف الإسلامى) ط دار المعارف. [.....]