لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١٤١
الحق. ولكنهم غفلوا عن شهود حقائق الربّ فخاطبهم على مقدار فهمهم، وعلّق بالأغيار قلوبهم، وكلّ يخاطب بما يحتمل على قدر قوّته وضعفه.
قوله جل ذكره :
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٢]
وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)
ملكتهم الدهشة وغلبتهم الخجلة، فاعتذروا حين لا عذر، واعترفوا ولا حين اعتراف.
قوله جل ذكره :
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٣]
وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣)
لو «١» شئنا لسهّلنا سبيل الاستدلال، وأدمنا التوفيق لكلّ أحد، ولكن تعلّقت المشيئة بإغواء قوم، كما تعلّقت بإدناء قوم، وأردنا أن يكون للنار قطّان، كما أردنا أن يكون للجنّة سكان، ولأنّا علمنا يوم خلقنا الجنّة أنه يسكنها قوم، ويوم خلقنا النار أنه ينزلها قوم، فمن المحال أن نريد ألا يقع معلومنا، ولو لم يحصل لم يكن علما، ولو لم يكن ذلك علما لم نكن إلها... ومن المحال أن نريد ألا نكون إلها.
ويقال : من لم يتسلّط عليه من يحبه لم يجر في ملكه ما يكرهه.
ويقال : يا مسكين أفنيت عمرك في الكدّ والعناء، وأمضيت أيامك في الجهد والرجاء، غيّرت صفتك، وأكثرت مجاهدتك.. فما تفعل في قضائى كيف تبدّله؟ وما تصنع في مشيئتى بأيّ وسع تردّها؟ وفي معناه أنشدوا :
شكا إليك ما وجد من خانه فيك الجلد
حيران لو شئت اهتدى ظمان لو شئت ورد
(١) هذه الإشارة المستوحاة من الآية تمثل أقصى درجات الجبرية في مذهب هذا الباحث الصوفي، ولكن القارئ لا يعزب عنه أن يجدها جبرية ممتزجة بالحب.. ويكفى أنها مرتبطة بمشيئة الخالق. [.....]