لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١٧
فيقول : يا ربّ.. لم يعطنى أحد حسنة من حسناته.
فيقول اللّه - سبحانه : عبدى.. أ لم يكن لك صديق (فيّ) «١»؟
فيتذكر العبد ويقول : فلان كان صديقا لى.
فيدله الحقّ عليه، فيأتيه ويكلّمه في بابه، فيقول : بلى، لى عبادات كثيرة قبلها اليوم فقد وهبتك منها، فيسير هذا العبد ويجىء إلى موضعه، ويخبر ربّه بذلك، فيقول اللّه - سبحانه : قد قبلتها منه، ولن أنقص من حقّه شيئا، وقد غفرت لك وله، وهذا معنى قوله :
«فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ» قوله جل ذكره :
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٠٥ الى ١١١]
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَ لا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ (١٠٨) وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)
ذكر قصة نوح وما لقى من قومه، وأنهم قالوا :- «قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ؟» إنّ أتباع كلّ رسول إنما هم الأضعفون، لكنهم - فى حكم اللّه - هم المتقدّمون الأكرمون. قال عليه السلام :«نصرت بضعفائكم».
وإنّ اللّه أغرق قومه لمّا أصرّوا واستكبروا.
وكذلك فعل بمن ذكرتهم الآيات في هذه السورة من عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين.. كلّ منهم قابلوا رسلهم بالتكذيب، فدمّر اللّه عليهم أجمعين، ونصر رسوله على مقتضى سنّته الحميدة فيهم. وقد ذكر اللّه قصة كل واحد منهم ثم أعقبها بقوله :-
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٢٢]
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢)
«الْعَزِيزُ» : القادر على استئصالهم، «الرَّحِيمُ» الذي أخّر العقوبة عنهم بإمهالهم، ولم يقطع الرزق مع قبح فعالهم.
(١) هكذا في م وص وهي صحيحة مقبولة في المعنى والسياق غير أننا لا نستبعد أنها ربما كانت فى الأصل (صديق وفيّ) حيث تقابل ما جاء في الآية (صديق حميم) فالبحث يومئذ يكون عن الصديق الوفى الحميم.
م (٢) لطائف الإشارات - ج ٣ -