لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ١٨
و هو «عزيز» لم يستضرّ بقبيح أعمالهم، ولو كانوا أجمعوا على طاعته لمّا تجمّل بأفعالهم «١».
قوله جل ذكره :
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٢٧]
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧)
أخبر عن كل واحد من الأنبياء أنه قال :«ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ» ليعلم الكافة أنّ من عمل للّه فلا ينبغى أن يطلب الأجر من غير اللّه. وفي هذا تنبيه للعلماء - الذين هم ورثة الأنبياء - أن يتأدّبوا بأنبيائهم، وألّا يطلبوا من الناس شيئا في بثّ علومهم، ولا يرتفقون منهم بتعليمهم، والتذكير لهم أنه من ارتفق في بثّ ما يذكّر به من الدّين وما يعظ به المسلمين فلا يبارك اللّه للناس فيما منه يسمعون، ولا للعلماء أيضا بركة فيما من الناس يأخذون، إنهم يبيعون دينهم بعرض يسير، ثم لا بركة لهم فيه، إذ لا يبتغون به اللّه، وسيحصلون على سخط اللّه.
قوله جل ذكره :
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٩٢ الى ١٩٥]
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)
كلام اللّه «٢» العزيز منزّل على قلب الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - فى الحقيقة بسفارة جبريل عليه السلام. والكلام من اللّه غير منفصل، وبغير اللّه غير متصل.. وهو - على الحقيقة لا على المجاز - منزّل. ومعناه أن جبريل - عليه السلام - كان على السماء. فسمع من الربّ، وحفظ، ونزل، وبلّغ الرسول. فمرّة كان يدخل عليه حالة تأخذه عنه «٣» عند

_
(١) لأن اللّه - سبحانه - لا يلحقه زين بطاعة ولا شين بمعصية.
(٢) ينبغى الاهتمام برأى القشيري هنا عند بحث قضية «خلق القرآن»، ومدى النظرة إلى ما بين دفّى المصحف، ومقارنة ذلك (بكلام) اللّه إلى موسى عند الشجرة.. موضوع هام ناقشه القشيري في كتابه (شكاية أهل السنة).
(٣) تأمل كيف ينظر الصوفية إلى حالة المصطفى (ص) عند تلقى الوحى على أنها حالة عرفانية، فالعرفان لا يتم إلا عند الامتحاء.


الصفحة التالية
Icon