لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢١٢
أي حقّ القول بالعقوبة على أكثرهم لأنهم أصرّوا على جحدهم، وانهمكوا في جهلهم، فالمعلوم منهم والمحكوم عليهم أنّهم لا يؤمنون «١».
قوله جل ذكره :
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٨ الى ٩]
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩)
سنجرّهم إلى هوانهم وصغرهم، وسنذيقهم وبال أمرهم.
«وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» أغرقناهم اليوم في بحار الضلالة، وأحطنا بهم سرادقات الجهالة. وفي الآخرة سنغرقهم فى النار والأنكال، ونضيّق عليهم الحال، بالسلاسل والأغلال.
«فَأَغْشَيْناهُمْ» : أعميناهم اليوم عن شهود الحجّة، ونلبّس عليهم في الآخرة سبيل المحجّة، فيتعثّرون في وهدات جهنم داخرين، ويبقون في حرقاتها مهجورين، مطرودين ملعونين، لا نقطع عنهم ما به يعذّبون «٢»، ولا نرحمهم مما منه يشكون تمادى بهم حرمان الكفر، وأحاطت بهم سرادقات الشقاء، ووقعت عليهم السّمة بالفراق.
قوله جل ذكره :
[سورة يس (٣٦) : آية ١٠]
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠)
مهجور الحقّ لا يصله أحد، ومردود الحقّ لا يقبله أحد. والذي قصمته المشيئة وأقمته القضية لا تنجع فيه النصيحة.
(١) أريد أن أنبه دائما إلى أن الجبرية عند الشيخ لا تتعارض مع الحرية الإنسانية، فالإنسان حسرّ فيما يفعل ولكن في دائرة ما حددته له القضية السابقة التي ترتبط بالعلم الإلهى السابق للإبداء والإنشاء.. نحن نعلم ما حسدث ولكن العلم الإلهى يسجل بدءا كل ما سيحدث.
(٢) من هذا نفهم أن القشيري لا يؤمن بأبدية الجنة وحسب، بل يؤمن بأبدية النار أيضا.. على خلاف جهم الذي يرى أن حركاتهم تتناهى، فهما ليستا أبديتين - كما قلنا من قبل. وعلى خلاف ابن القيم الذي يرى أبدية الجنة فقط حيث بستوقفه الاستثناء في قوله تعالى «لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك» فيقول : إذا فعذابها ينقطع (حادى الأرواح ص ٢٦٣ وشفاه الغليل ص ٢٦٢) ولكن يردّ على ابن القيم أن المقصود في الآية هم عصاة المؤمنين وليس الكفار الذين هم - طبقا لنصوص كثيرة - خالدون فيها أبدا «لا يجدون وليا ولا نصيرا».