لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢١٣
[سورة يس (٣٦) : آية ١١]
إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)
أي إنما ينتفع بإنذارك من اتّبع الذّكر فإنّ إنذارك - وإن كان عاما في الكلّ وللكلّ - فإنّ الذين كفروا على غيّهم يصرّون.. ألا ساء ما يحكمون، وإن كانوا لا يعلمون قبح ما يفعلون. أمّا الذين اتبعوا الذكر، واستبصروا، وانتفعوا بالذي سمعوه منك، وبه عملوا - فقد استوجبوا أن تبشّرهم فبشّرهم، وأخبرهم على وجه يظهر السرور بمضمون خبرك عليهم.
«وَأَجْرٍ كَرِيمٍ» : كبير وافر على أعمالهم - وإن كان فيها خلل.
قوله جل ذكره :
[سورة يس (٣٦) : آية ١٢]
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)
نحيى قلوبا ماتت بالقسوة بما نمطر عليها من صوب الإقبال والزلفة، ونكتب ما قدّموا.
«وَآثارَهُمْ» : خطاهم إلى المساجد «١»، ووقوفهم على بساط المناجاة معنا، وترقرق دموعهم على عرصات خدودهم، وتصاعد أنفاسهم.
«وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ» أثبتنا تفصيله في اللوح المحفوظ.. لا لتناسينا لها - وكيف وقد أحصينا كل شىء عددا؟ - ولكننا أحببنا إثبات آثار أحبائنا في المكنون من كتابنا.
قوله جل ذكره :
[سورة يس (٣٦) : آية ١٣]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣)
انقرض زمانهم، ونسى أوانهم وشأنهم! ولكننا نتذكر أحوالهم بعد فوات أوقاتهم، ولا نرضى بألا يجرى بين أحبائنا وعلى ألسنة أوليائنا ذكر الغائبين والماضين، وهذا مخلوق يقول في صفة مخلوق :

_
(١) قال أبو سعيد الخدري : كان بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فأنزل اللّه الآية، وقال لهم النبيّ (ص) :«إن آثاركم تكتب فسلم تنتقلون» أسباب النزول للواحدى ص ٢٤٥.


الصفحة التالية
Icon