لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٢١
و هم أهل الحضرة والدنو، لا تشغلهم الجنة عن أنس القربة، وراحات الوصلة، والفراغ للرؤية «١» ويقال : لو علموا عمّن شغلوا لما تهنّأوا بما شغلوا.
ويقال بل إنما يقول لأهل الجنة :«إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ..» كأنه يخاطبهم مخاطبة المعاينة إجلالا لهم كما يقال : الشيخ يفعل كذا، ويراد به : أنت تفعل كذا.
و يقال : إنما يقول هذا لأقوام في العرصة أصحاب ذنوب لم يدخلوا النار، ولم يدخلوا الجنة بعد لعصيانهم فيقول الحق : عبدى.. أهل النار لا يتفرغون إليك لأهوالهم، وما هم فيه من صعوبة أحوالهم، وأهل الجنة وأصحابها اليوم في شغل عنك لأنهم في لذّاتهم، وما وجدوا من أفضالهم مع أهلهم وأشكالهم فليس لك اليوم إلا نحن! وقيل شغلهم تأهبهم لرؤية مولاهم، وذلك من أتمّ الأشغال، وهي أشغال مؤنسة مريحة لا متعبة موحشة.
ويقال : الحقّ لا يتعلّق به حقّ ولا باطل فلا تنافى بين اشتغالهم بأبدانهم مع أهلهم، وشهودهم مولاهم، كما أنهم اليوم مشغولون مستديمون لمعرفته بأى حالة هم، ولا يقدح اشتغالهم - باستيفاء حظوظهم - فى معارفهم.
ويقال شغل نفوسهم بشهواتها «٢» حتى يخلص الشهود لأسرارهم على غيبة من إحساس النّفس الذي هو أصعب الرّقباء، ولا شىء أعلى من رؤية الحبيب مع فقد الرقيب.
قوله جل ذكره :«هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ».

_
(١) هكذا فى م وهي في ص (للّه وبه)، وقد آثرنا (الرؤية) متأثرين برواية القرطبي عن الثعلبي والقشيري - - ابن المصنف - حيث تقول هذه الرواية :«فينظر إليهم الحق وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شىء من النعيم ماداموا ينظرون إليه» القرطبي ح ١٥ ص ٤٥.
(٢) قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد : شغلهم افتضاض العذارى.
وفي الخبر عن أبى سعيد الخدري قال (ص) :«إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عدن أبكارا». ذكر ابن عباس : كلما أتى الرجل من أهل الجنة الحوراء وجدها بكرا، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته، ولا يكون بينهما منى، منه أو منها. (القرطبي ح ١٥ ص ٤٥).


الصفحة التالية
Icon