لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٣٩
و يقال قال إسماعيل لأبيه : أنت خليل اللّه وتنام.. ألم تعلم أن الخليل إذا نام عن خليله يؤمر بذبح ابنه؟ مالك يا أبت والنوم؟
و يقال في القصة : إنه رآه ذات يوم راكبا على فرس أشهب فاستحسنه، ونظر إليه قلبه، فأمر بذبحه، فلمّا أخرجه عن قلبه، واستسلم لذبحه ظهر الفداء، وقيل له كان المقصود من هذا فراغ قلبك عنه.
ويقال في القصة : أمر إسماعيل أباه أن يشدّ يديه ورجليه لئلا يضطرب إذا مسّه ألم الذّبح فيعاتب، ثم لمّا همّ بذبحه قال : افتح القيد عنى حتى لا يقال لى : أ مشدود اليد جئتنى؟
و إنى لن أتحرك :
و لو بيد الحبيب سقيت سمّا لكان السّمّ من يده يطيب
و يقال أيهما كان أشدّ بلاء؟ قيل : إسماعيل لأنه وجد الذّبح من يد أبيه، ولم يتعوّد من يده إلا التربية بالجميل، وكان البلاء عليه أشدّ لأنه لم يتوقع منه ذلك.
ويقال بل كان إبراهيم أشدّ بلاء لأنه كان يحتاج أن يذبح ابنه بيده ويعيش بعده.
«سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» فلم يأت إسماعيل بالدعوى «١» بل تأدّب بلفظ الاستنشاء.
ويقال لو قال إسماعيل إمّا لا تقل :«يا بُنَيَّ» بهذه اللطافة، وإمّا لا تقل :«أَنِّي أَذْبَحُكَ» فإنّ الجمع بينهما عجيب! قوله جل ذكره :
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٧]
فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)
قيل في التفاسير إنه كان يمرّ بالسكين على حلقه والسكين لا يقطع، فتعجّب ابراهيم، فنودى : يا إبراهيم كان المقصود من هذا استسلامكما.
ويقال إن اللّه ستر عليهما علم ما أريد منهما في حال البلاء، وإنما كشف عنهما بعد مضىّ وقت المحنة لئلا يبطل معنى الابتلاء... وهكذا يكون الأمر عند البلاء تنسدّ الوجوه
(١) أي دعوى النفس بالمكنة دون تقديم المشيئة الإلهية.