لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٥٦
ففرّ ورمى بالخاتم في البحر، وطار في الهواء. ولمّا أذن اللّه ردّ ملك سليمان إليه، ابتلعت سمكة خاتمه، ووقعت في حبال الصيادين، ودفعوها إلى سليمان في أجرته، فلمّا شقّ بطنها ورأى خاتمه لبسه، وسجد له الملاحون، وعاد إلى سرير ملكه «١».
قوله جل ذكره :
[سورة ص (٣٨) : آية ٣٥]
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥)
أي ملكا لا يسلبه أحد منى بعد هذا كما سلب منى في هذه المرة.
وقيل أراد انفراده به ليكون معجزة له على قومه.
وقيل أراد أنه لا ينبغى لأحد من بعدي أن يسأل الملك، بل يجب أن يكل أمره إلى اللّه فى اختياره له.
ويقال لم يقصد الأنبياء، ولكن قال لا ينبغى من بعدي لأحد من الملوك.
وإنما سأل الملك لسياسة الناس، وإنصاف بعضهم من بعض، والقيام بحقّ اللّه، ولم يسأله لأجل ميله إلى الدنيا.. وهو كقول يوسف :«اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» «٢».
ويقال لم يطلب الملك الظاهر، وإنما أراد به أن يملك نفسه، فإن الملك - على الحقيقة - من يملك نفسه، ومن ملك نفسه لم يتّبع هواه.
و يقال أراد به كل حاله في شهود ربّه حتى لا يرى معه غيره.
ويقال سأل القناعة التي لا يبقى معها اختيار.
ويقال علم أن سرّ نبيّنا - صلى اللّه عليه وسلم - ألا يلاحظ الدنيا ولا ملكها
(١) تلاحظ أن القشيري - وإن تجنب الوقوع في كثير من الروايات السخيفة مثل اجتماع سليمان بالنساء فى حيضهن، ومثل قضائه في الناس بغير الحق ونحو ذلك - إلا أنه لم يستطع التخلص من الروايات المتأثرة بالإسرائيليات لأننا لا نستطيع أن نتصور وقوع نبى كسليمان أو كداود في مثل هذه المزالق التي لا ينحدر إليها نبى.
(٢) آية ٥٥ سورة يوسف.