لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٦٤
قوله جل ذكره :
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧٩ الى ٨١]
قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١)
من كمال شقاوته أنه جرى على لسانه «١»، وتعلّقت إرادته بسؤال إنظاره، فازداد إلى القيامة في سبب عقوبته، فأنظره اللّه، وأجابه، لأنه بلسانه سأل تمام شقاوته.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٢ الى ٨٣]
قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)
و لو عرف عزّته لما أقسم بها على مخالفته.
ويقال تجاسره في مخاطبة الحقّ - حيث أصرّ على الخلاف وأقسم عليه - أقبح وأولى فى استحقاق اللعنة من امتناعه للسجود لآدم «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٤ الى ٨٦]
قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)
و ختم اللّه سبحانه السورة بخطابه إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم :
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)
(١) فى هذه الإشارة دقة تحتاج إلى تأمل، فقول القشيري «جرى على لسانه» تفيد أن مأساة إبليس ترجع إلى مشيئة عليا، وإن كان ظاهر اللفظ أنه بلسانه اختار طريقه، وبإرادته سعى إلى إنظاره.
وهكذا يغمز القشيري بمن يحاولون نسبة الحرية للإنسان - مع أن الحرية وبال ونكال.
ويذكّرنا هذا الموقف بقولة ابن عربى فى (شجرة الكون) عند شرح «كن فيكون» أن فى «كن» كل شىء فى الكاف كمال الدين والكفر، وفي النون النعمة والنقمة... فاللّه خالق كل شىء حين خاطب الكون :«كن»
(٢) فى هذه الإشارة لفتة إلى مقصد بعيد : أن الوقوع في الذنب أمر قبيح ولكن الإصرار على الذنب أقبح.
وهذا حث للعصاة على الإقلاع عن المعاصي، وعدم اليأس من رحمة اللّه. وتطالعنا سماحة القشيري في هذا الخصوص فى مواضع مختلفة من هذا الكتاب، وكذلك أنظر باب «التوبة» فى الرسالة.