لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٦٧
و العبادة الخالصة معانقة الأمر على غاية الخشوع. وتكون بالنّفس والقلب والروح فالتى بالنفس فالإخلاص فيها التباعد عن الانتقاص، والتي بالقلب فالإخلاص فيها العمى عن رؤية الأشخاص، والتي بالروح فالإخلاص فيها التنقّى عن طلب الاختصاص «١».
قوله جل ذكره :
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٣]
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣)
الدين الخالص ما تكون جملته للّه فما للعبد فيه نصيب فهو من الإخلاص بعيد، اللهم أن يكون بأمره فإنه إذا أمر العبد أن يحتسب الأجر على طاعته فإطاعته لا تخرجه عن الإخلاص باحتسابه ما أمره به، ولو لا هذا لما صحّ أن يكون في العالم مخلص.
«وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ...» أي الذين عبدوا الأصنام قالوا :«ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى »، ولم يقولوا هذا من قبل اللّه ولا بأمره ولا بإذنه، وإنما حكموا بذلك من ذات أنفسهم، فردّ اللّه عليهم. وفي هذا إشارة إلى أن ما يفعله العبد من القرب بنشاط نفسه من غير أن يقتضيه حكم الوقت، وما يعقد بينه وبين اللّه من عقود ثم لا يفى بها.. فكل ذلك اتباع هوى، قال تعالى :«وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها «٢»».
قوله جل ذكره : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ لا تهديهم اليوم لدينه، ولا في الآخرة إلى ثوابه. والإشارة فيه إلى تهديد من يتعرّض لغير مقامه، ويدّعى شيئا ليس بصادق فيه، فاللّه لا يهديه قط إلى ما فيه سداده ورشده.
وعقوبته أن يحرمه ذلك الشيء الذي تصدّى له بدعواه قبل تحققه بوجوده وذوقه.

_
(١) تصلح هذه الفقرة لتوضيح درجات العبادة ودرجات الإخلاص، والآفات التي تلحق كل درجة منها، وكيفية التنقى عن هذه الآفات - وبمعنى آخر فإنها تهمنا عند ما نبحث أصول ما أطلقنا عليه : علم النفس الصوفي. [.....]
(٢) آية ٢٧ سورة الحديد.


الصفحة التالية
Icon