لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٢٨٨
و يقال إن كانت لكم جناية كثيرة عميمة فلى بشأنكم عناية قديمة «١».
قوله جل ذكره :
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥)
الإنابة الرجوع بالكلية. وقيل الفرق بين الإنابة وبين التوبة أن التائب يرجع من خوف العقوبة، وصاحب الإنابة يرجع استحياء لكرمه «٢».
«وَأَسْلِمُوا لَهُ» : وأخلصوا في طاعتكم، والإسلام - الذي هو بعد الإنابة - أن يعلم أنّ نجاته بفضله لا بإنابته فبفضله يصل إلى إنابته.. لا بإنابته يصل إلى فضله.
«مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ» قبل الفراق. ويقال هو أن يفوته وقت الرجوع بشهود الناس ثم لا ينصرف عن ذلك.
قوله جل ذكره :
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)
يقال هذا في أقوام يرون أمثالهم تقدموا عليهم في أحوالهم، فيتذكرون ما سلف من تقصيرهم، ويرون ما وفّق إليه أولئك من المراتب فيعضون بنواجذ الحسرة على أنامل الخيبة.

_
(١) واضح أن القشيري يحاول بطرق شتى أن يفتح كل أبواب الأمل أمام اليائسين، فمهما كانت الذنوب كثيرة فعفو اللّه أكبر وأشمل، وبدا أن النص القرآنى يحتمل كل المحاولات التي يبذلها القشيري بسماحته الصوفية الأصيلة.
(٢) ينقل القشيري عن شيخه الدقاق قوله في هذا الخصوص :«أولها توبة وأوسطها إنابة وآخرها أوبة».
ثم يعلق على ذلك قائلا : فكل من تاب لخوف العقوبة فهو صاحب توبة، ومن تاب طمعا في الثواب فهو صاحب إنابة، ومن تاب مراعاة للأمر - لا لرغبة في ثواب أو رهبة من عقاب - فهو صاحب أوبة. ويقال التوبة صفة المؤمنين (و توبوا إلى اللّه جميعا أيها المؤمنون)، والإنابة صفة الأولياء والمقربين (و جاء بقلب منيب)، والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين (نعم العبد إنه أواب) الرسالة ص ٥٠.


الصفحة التالية
Icon