لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٧٢
خيرا فقد نفى ذلك عن عيسى عليه السلام. هم راموا بهذا الكلام أن يجادلوه، ولم يكن سؤالهم للاستفادة. فكان جواب النبي صلى اللّه عليه وسلم عليهم : أن عيسى عليه السلام خير من آلهتكم ولكنه لا يستحق أن يعبد إذ ليس كلّ ما هو خير من الأصنام بمستحق أن يكون معبودا من دون اللّه. وهكذا بيّن اللّه - سبحانه - لنبيّه أنهم قوم جدلون «١»، وأنّ حجتهم داحضة عند ربهم قوله جل ذكره :
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٩ الى ٦٠]
إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠)
فليس عيسى إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوّة.
«وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» ولو شئنا لأنزلنا ملائكة من السماء حتى يكونوا سكّان الأرض بدلكم.
ثم قال :
[سورة الزخرف (٤٣) : آية ٦١]
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)
«وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ» : يعنى به عيسى عليه السلام إذا أنزله من السماء فهو علامة للساعة، «فَلا تَمْتَرُنَّ» بنزوله بين يديّ القيامة «٢».
[سورة الزخرف (٤٣) : آية ٦٢]
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)
و لا يصدنكم الشيطان عن الإيمان بالساعة، وعن اتّباع الإيمان بهداى.
(١) سبب نزول هذه الآية وما سبقها تلك المناظرة التي حاول بها عبد اللّه بن الزبعرى السهمي أن يستهوى قريشا بإثارة اعتراضات باطلة، فأفحمه المنطق القرآنى، وأخرس لجاجه.
يقول معروف الكرخي : إذا أراد اللّه بعبد خيرا فتح له باب العمل وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد اللّه بعبد شرا أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل (الروض الفائق، ج ١، ص ١٣٩).
(٢) عن أبى هريرة - كما ثبت في صحيح مسلم وابن ماجه - قال قال رسول اللّه (ص) : لينزلن عيسى ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى إليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد».