لطائف الإشارات، ج ٣، ص : ٣٩٣
و من ناظر بنور فراسته وهو صاحب ظنّ يقوّيه لوح - ولكنه من وراء السّرّ «١»، ومن ناظر بيقين علم بحكم برهان وشرط فكر، ومن ناظر بعين إيمان بوصف اتّباع، ومن ناظر بنور بصيرة هو على نهار، وشمسه طالعة وسماؤه من السحاب «٢» مصحية «٣».
قوله جل ذكره :
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢١]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١)
أمن خفضناه في حضيض الضّعة كمن رفعناه إلى أعالى المنعة؟
أمن أخذنا بيده ورحمناه كمن داسه الخذلان فرجمناه؟
أمن وهبناه بسط وقت وأنس حال وروح لطف حتى خصصناه ورقيناه، ثم قرّبناه وأدنيناه كمن ترك جهده واستفراغ وسعه وإسبال دمعه واحتراق قلبه.. فما أنعشناه؟.
قوله جل ذكره :
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢٣]
أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)
من لم يسلك سبيل الاتباع، ولم يستوف أحكام الرياضة، ولم ينسلخ عن هواه بالكلّيه، ولم يؤدّبه إمام مقتدى فهو ينجرف في كل وهدة، ويهيم في كلّ ضلالة، ويضلّ فى كل فجّ، خسرانه أكثر من ربحه!! أولئك في ضلال بعيد يعملون القرب على ما يقع لهم من نشاط نفوسهم «٤»، زمامهم بيد هواهم، أولئك أهل «٥» المكر.. استدرجوا وما يشعرون!.
١) الفراسة مما يخلقه اللّه في قلب العبد من غير كسب منه، وهي من ثمرات الإيمان الكامل، وما يسميه القشيري هنا (لوحا) يسميه في موضع آخر (سواطع) أنوار تلمع في القلب تدرك بها المعاني (الرسالة ص ١١٦).
ولمعرفة الفرق بين اللوائح واللوامع أنظر الرسالة ص ٤٣. ويعرف الجنيد الفراسة فيقول : هى مصادفة الإصابة، ثم يذكر أنها موهبة كائنة دائمة (التعرف الكلاباذى ص ١٥٧).
(٢) هكذا في م وهي في ص (الصحاب) بالصاد وواضح في ذلك خطأ الناسخ.
(٣) هذه الدرجة الأخيرة - كما هو واضح - أعلى درجات النظر لخلوها من الآفات.
(٤) لأن النفس محل المعلومات، فعملهم مرتهن بنفوسهم وأهوائهم.
(٥) هكذا فى (ص) وهي في م (أصل) وهي خطأ من الناسخ لأنهم «أهل» المكر إشارة إلى قوله تعالى :
«وَمَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ».